رسالة الأنبياء الدعوة وليس قتل الكفار

الأنبياء والقتل


رسالة الأنبياء والرسل 

مبادئ رسالة الأنبياء :

1.حرمةُ النفسِ الانسانية ، والمؤمنون والكفارُ متساوون في حُرمةِ المال والعِرْضِ والنفس .
2.صِحّةُ التكليف والابتلاء من سنن اللهِ الكونية والشرعية .
3. الكفرُ والتكذيب وحدهُ لايوجب القتل ، فإذا أضيف اليه الاعتداء بأي صورة، وجب القتال .
4.الفرقُ بين القتالِ والقتْل .
5. علة قتال وجهاد الكفار.

أولا : صحة التكليف وغاية رسالة الرسل :

إنّ دين الاسلام هو الفطرة،(فطرت الله التي فطر الناس عليها ) الروم 30 ،
وكل ما تنكره الفطرة وتأباه فهو في الاسلام محرم ومكروه ، وكل ما تعرفه الفطرة وتطمئن به فشريعة الاسلام أولى به. فالقتل والاعتداء والقسوة تكرهه الفطرة ، وكذلك دين الاسلام .

والأصل في الاسلام: صحة التكليف وشروطه بدون إكراه . انظر الى قول الملائكة في مشهد حساب الكافرين وهم بين يدي المولى عز وجل يوم القيامة بعد البعث وخروج الناس من قبورهم ، قالت الملائكة عن الكافرين (وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا ) الفرقان18، فالله يمدّ لهم في عمرهم ويمهلهم ويمتعهم فلا يكون لهم عذر بعد وتقوم عليهم الحجة، وهو من صحة التكليف وابتلاء العباد،
فإذا تعَجّل المؤمن بالقضاء على الكافر وإنهاء حياته بالقتل فقد ناقض حكم الله وسنته وأمره ، ومنع رحمة الله عن عباده ، وجهل بحكم الله في خلقه أنه جعلهم مختلفين،
قال تعالى عن الكافرين وهم يتعذبون في جهنم(وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا، رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) قال( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) فاطر 37 ،
والشاهد في الآيتين الكريمتين قوله تعالى " مَتَّعْتَهُمْ" و" أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ" .

وأيضا ،الكافر أو الفاسق لعلهما يتوبا ويؤمنا بعد حين في حياتهما ، فيخاطب الله تعالى المسلمين فيقول(كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ) النساء 94 . أي كنتم كفارا من قبل، فمنّ الله عليكم أن هداكم الى الايمان .

أيضا قد يُخْفِي الكافر إيمانه عن أهله وقومه قال تعالى (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ) الفتح 25 .
وأنه وحده تعالى يعلمُ الغيبَ ، فيعلم المؤمن ويعلم الكافر ...
فقتلك للكافر يناقض حكم الله في أنه يمتعه في الدنيا بعمره ويمهله ويمدّ له حتى يأتيه أجله وهو مخالف لدين الاسلام و عقيدة التوحيد كما قال تعالى (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) هود 118 ،
___

 أساس الحياة وحكمة خلق الله الانسان هو الابتلاء ،

فيمتعه ويرزقه إلى حين أجله ، ويتركه إنْ هو كفر بربه فيمهله دون أن يعاجله بعقوبة وعذاب وهلاك ، لعله يرجع عن كفره و يتوب عن ضلاله وعصيانه الله وإلا جاءه الموت فيقبضه على كفره فيحق له عذاب الجحيم .

ودلائل قولنا الشرعية ، قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) سورة هود .
وقوله تعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) سورة فاطر.

وتأمل أخي الكريم قول الله تعالى للكافرين المعذبين في جهنم وحجته واجابته له على سؤالهم له في العودة الى الحياة في الأرض: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ ) ،
ثم قول الخليل ابراهيم :(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)
فقال تعالى لابراهيم:(وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)البقرة 126 .

فأنت يا أيها المتشدد تريد أن تخالف منهج الله وسنته في عباده فهو تعالى يستعمرهم في أرضه ويمدهم في أعمارهم،ويرزقهم ويمتعهم،
حتى إذا أخذهم بعد الحياة الدنيا وهم كافرين وألقاهم في جهنم ، لم يحتجوا على ربهم فيكون لهم عذر يمنعهم من عقابهم ،
لكنك تعمد الى الذين كفروا وهم في الدنيا تريد أن تقطع أعناقهم وتضرب رؤوسهم وتحرق أجسادهم ولا تتركهم يحيون حياتهم ويعمرون أعمارهم في الأرض.
ولك في الفاروق عمر بن الخطاب موعظة وذكرى ، فهو رضي الله عنه كان قبل البعثة مشركا كافرا ، وظل بعد البعثة سنين كافرا وآذى المسلمين ،
ثم هداه الله وجعله من المؤمنين بل صار أميرا لهم ، فلو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أبو بكر أو أحدا من أصحابه عاجل بضرب عنق عمر بن الخطاب وهو مشرك كافر ، ما كان عمر أمير المؤمنين .
وكم من قساوسة ورهبان ووثنيون دخلوا في دين الله اختيارا ورغبة ؟ هُمْ كثير .أذلك خيرٌ أم قتلهم كفارا ؟ أم تريد أن تخالف سُنّةَ ربِّك في عباده ؟..
أمّا الذين ظلموا منهم واعتدوا وفتنوا المؤمنين والناس وصدوهم عن دين الله فأولئك جعل الله لك عليهم سلطانا، لكن لا تسرف في القتل فإن انتهوا عن الاعتداء والفتنة لعدنا بهم إلى الأصل وهو التكليف والابتلاء والسلم .

(صحة التكليف)

قال الرازي في تفسير قَوْلُهُ تعالى (إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ ) سورة البقرة :"أَيْ مُمْتَحِنُكُمُ امْتِحَانَ الْعَبْدِ كَمَا قَالَ تعالى ( إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ [الْإِنْسَانِ: 2] وَلَمَّا كَانَ الِابْتِلَاءُ بَيْنَ النَّاسِ إِنَّمَا يَكُونُ لِظُهُورِ الشَّيْءِ، وثبت أن الله تعالى لا يثيب، وَلَا يُعَاقِبُ عَلَى عِلْمِهِ، إِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ بِظُهُورِ الْأَفْعَالِ بَيْنَ النَّاسِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالتَّكْلِيفِ لَا جَرَمَ سُمِّيَ التَّكْلِيفُ ابْتِلَاءً ".

أقول فأمتحانات الطلاب في المدارس انما كانت لبيان مدى معرفتهم فيما كلفوا به من دراسة ، ولو أن المدرس قد حكم على تلميذه بمجرد معرفته به ومعايشته من عدم التزام وسوء استيعاب ، ثم قام المدرس بسبب ذلك منع هذه التلميذ البليد من دخول الامتحان، لعاب الناس على المدرس ولكان للتلميذ حجة عليه ، ولنصره القاضي عليه لأنه منعه ولم يعطه الفرصة في دخول الامتحان أو قطع زمن الاختبار ، ونهو الامتحان قبل نهاية الوقت .

غاية رسالة الانبياء والرسل
 هي البلاغ .وحكمة خلق الناس واستخلافهم في الأرض

قوله تعالى (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) سورة الأنعام 48-49 . ينفى الله عز وجل أي مهمة أو علة او غاية في ارساله للرسل سوى التبشير والانذار وليس لشيء آخر ،
وهذا فيه تكذيب لمن قال بغير ذلك وزعم ان الرسول جاء لقتل من لم يؤمن به .
وهذا خبر لا يجوز نسخه .فمهمة الرسول فقط البلاغ بالبشرى بالجنة لمن صدق به وآمن بالله ، والانذار بالنار لمن كذب وكفر .
وفي قوله (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) أي لنبلوهم أيهم يؤمن ويعمل صالحا .
وهذا أيضا خبر لا يجوز نسخه وتاكيدا لقضية التكليف والاستخلاف في الأرض .






حكمة وعلة مشروعية القتال والجهاد

أولا :  الفرق بين القتال والقتل

كثير من الناس يسوي بين القتل والقتال، وإنما بينهما فرق ينبغي لطالب العلم أن يعرفه ،
قد يجوز القتال ، ولا يجوز القتل الا بحقه ،
عن الامام الشافعي أنه قال : ليس القتال من القتل بسبيل ، قد يُحلّ قتال الرجل ولا يُحلّ قتله .أقول : عبارة عايزة ومحتاجة تمعن وتدبر .
نضرب لذلك مثلا : قال تعالى ( فإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ )
وهذا أمر من الله لجماعة المسلمين والحكام بجواز القتال لفئة من المسلمين ، وهم البغاة حتى يرجعوا عن ظلمهم .

فان رجعوا وعادوا وتوقفوا فلا يجوز قتلهم ، أو تعقبهم لقتلهم ، أو الاجهاز على جريحهم .وبذاك يتبين لك الفرق بين القتال والقتل ،

فالقتل :هو إرادة وعزم وتصميم على قتل المقتول وازهاق روحه ،
أما القتال :ففيه السماح على الابقاء على حياة الذي تقاتله ، لأنه بغرض تحقيق أمر من الأمور -وليس بغرض القتل- ،
كانهاء الاعتداء ووقف الفتنة والصدّ عن سبيل الله ، أو الانفصال عن الدولة بقوة السلاح كما حدث في حياة الصديق أبي بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم و قتاله لمن منع دفع الصدقة للدولة وزعموا أنهم كانوا يعطونها للنبي في حياته وقد سقطت عنهم بعد مماته صلى الله عليه وسلم ،
ومثل ما فعل الامام علي بن أبي طالب مع طلحة والزبير في موقعة الجمل ، أو مع معاوية لإقامة أمر الجماعة والدولة ومنع الفساد وتشتيت كلمة المسلمين والفتن.

فالقتال شرّعه الله في جهاد المعتدين أو الصادين عن سبيل الله أو المحاربين ، وأمّا قتل الكافر بعينه وإغتياله لكفره فهو محرّم .

ثانيا : متى أمر الله الرسل والمؤمنين بالقتال ؟ 

في سورة الحج قال تعالى (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ )39-40

أقول قال تعالى (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ) جاءت بعد قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ )

وقلت. مفهوم الآية أن المؤمنين لما أذاهم المشركون فأرادوا الرد عليهم ومقاتلتهم كقوله تعالى " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ "الآية ،
فلما زاد المشركون باخراجهم من ديارهم ،حينئذ أذن الله للمؤمنين بالقتال،
قال ابن الجوزي في تفسيره(ت 598 هـ ): قال الزجاج :معنى الآية أذن للذين يقاتلون، أن يقاتلوا بأنهم ظلموا أي بسبب ما ظلموا
وقال ابن كثير : قال العَوفي، عن ابن عباس: نزلت في محمد وأصحابه حين أخرجوا من مكة.

وقال غير واحد من السلف هذه أول آية نزلت في الجهاد، واستدل بهذه الآية بعضهم على أن السورة مدنية، وقاله مجاهد، والضحاك، وقتادة، وغير واحد.

وروى ابن جرير بسنده عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال: لما أُخْرِج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، قال أبو بكر: "أَخْرَجوا نبيهم! إنا لله وإنا إليه راجعون، ليهلكُن". قال ابن عباس: فأنزل الله عز وجل: { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } ،
قال أبو بكر، رضي الله تعالى عنه: فعرفت أنه سيكون قتال.
(رواه الترمذي وقال حديث حسن ، وأحمد والنسائي.قال الشيخ الألباني : صحيح الإسناد )

وقوله: ( وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ) أي: هو قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال، ولكن هو يريد من عباده أن يبلوا جهدهم في طاعته.

1- قوله تعالى(الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ)
هَذَا أَحَدُ مَا ظُلِمُوا بِهِ، وَإِنَّمَا أخرجوا لقولهم: ربنا الله وحده. فقوله:" إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ "اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، أي لكن لقولهم ربنا الله، قاله سِيبَوَيْهِ.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ :يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ، يُقَدِّرُهَا مَرْدُودَةً عَلَى الْبَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الزَّجَّاجِ، وَالْمَعْنَى عِنْدَهُ: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا بِأَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ، أَيْ أُخْرِجُوا بِتَوْحِيدِهِمْ، أَخْرَجَهُمْ أَهْلُ الْأَوْثَانِ.

2-وقوله (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ)
قال القرطبي : أَيْ لَوْلَا مَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ قِتَالِ الْأَعْدَاءِ، لَاسْتَوْلَى أَهْلُ الشِّرْكِ وَعَطَّلُوا مَا بَنَتْهُ أَرْبَابُ الدِّيَانَاتِ مِنْ مَوَاضِعِ الْعِبَادَاتِ، وَلَكِنَّهُ دَفَعَ بِأَنْ أَوْجَبَ الْقِتَالَ لِيَتَفَرَّغَ أَهْلُ الدِّينِ لِلْعِبَادَةِ. فَالْجِهَادُ أَمْرٌ مُتَقَدِّمٌ فِي الْأُمَمِ، وَبِهِ صَلَحَتِ الشَّرَائِعُ وَاجْتَمَعَتِ الْمُتَعَبَّدَاتُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أُذِنَ فِي الْقِتَالِ، فَلْيُقَاتِلِ الْمُؤْمِنُونَ. ثُمَّ قَوِيَ هَذَا الأمر في القتال بقوله:
( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ) الْآيَةَ، أَيْ لَوْلَا الْقِتَالُ وَالْجِهَادُ لَتَغَلَّبَ عَلَى الْحَقِّ فِي كُلِّ أُمَّةٍ.

وقال ابن جرير الطبري : "إن الله تعالى ذكره أخبر أنه لولا دفاعه الناسَ بعضهم ببعض، لهُدم ما ذكر، من دفعه تعالى ذكره بعضهم ببعض، وكفِّه المشركين بالمسلمين عن ذلك; ومنه كفه ببعضهم التظالم، كالسلطان الذي كفّ به رعيته عن التظالم بينهم; ومنه كفُّه لمن أجاز شهادته بينهم ببعضهم عن الذهاب بحق من له قبله حق، ونحو ذلك. وكلّ ذلك دفع منه الناس بعضهم عن بعض، لولا ذلك لتظالموا، فهدم القاهرون صوامع المقهورين وبيَعهم وما سمّى جل ثناؤه ".
______

ثالثا  (تفسير حديث أنس "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، واستقبلوا قبلتنا، وأكلوا ذبيحتنا، وصلوا صلاتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم".


ورواه البخاري في صحيحه وأهل السنن إلا ابن ماجه

اعتقادنا الجازم ان الحديث خاص في قتال مشركي العرب: كما بيناه في رسالة سابقة بالتفصيل:
ولفظ " الناس" في الحديث لا يعني جميع الناس، بل فئة معينة من الناس وهم مشركي العرب والذي ينقضون عهودهم مع المؤمنين
واذا أراد المشرع بلفظ (الناس ) عموم الناس أكد ذلك بلفظ مثل ( كافة ) ،
قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) سبأ 28 ، او(جميعا ) كقوله تعالى (قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا )الأعراف 158

* أخرج الامامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّهُ قَالَ: يَوْمُ الخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الخَمِيسِ؟ ثُمَّ بَكَى حَتَّى خَضَبَ دَمْعُهُ الحَصْبَاءَ،
فَقَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ يَوْمَ الخَمِيسِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
(ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا)
فَتَنَازَعُوا، وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ، فَقَالُوا: هَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (دَعُونِي، فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ)، وَأَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلاَثٍ: (أَخْرِجُوا المُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَأَجِيزُوا الوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ )، وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَ،

وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، سَأَلْتُ المُغِيرَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ: فَقَالَ مَكَّةُ، وَالمَدِينَةُ، وَاليَمَامَةُ، وَاليَمَنُ،
وَقَالَ يَعْقُوبُ: العَرْجُ أَوَّلُ تِهَامَةَ "

- وفي صحيح مسلم عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، قال: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ، وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لَا أَدَعَ إِلَّا مُسْلِمًا )

قلت. تحمل مثل هذه الأحاديث وغيرها في قتال المشركين واليهود واخراجهم من جزيرة العرب على قوله تعالى (أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) التوبة 13 ،

فالمشركون واليهود نقضوا العهود بينهم وبين المسلمين فأحلّ الله قتالهم بسبب نقضهم للعهود والتآمر، وليس بسبب كفرهم وكما أوضحنا ذلك آنفا في تفسير آيات فرض القتال .***

معاهدات الرسول مع المشركين في آخر عهد النبوة :





وتفسير قوله تعالى في صدر سورة التوبة وهي من آخر من نزل من القرآن

( بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ):


قال الواحدي في تفسيرها : "أخذت المشركون ينقضون عهودا بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره الله تعالى أن ينقض عهودهم وينبذها إليهم وأنزل هذه الآية والمعنى قد برىء الله ورسوله من إعطائهم العهود والوفاء بها إذ نكثوا ".
وقال الطبري : الأجلُ الذي جعله الله لأهل العهد من المشركين، وأذن لهم بالسياحة فيه بقوله: (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ) ، إنما هو لأهل العهد الذين ظاهروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقضوا عهدهم قبل انقضاء مدته. فأما الذين لم ينقضوا عهدهم ولم يظاهروا عليه،
فإن الله جل ثناؤه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بإتمام العهد بينه وبينهم إلى مدته بقوله: (إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) ، [سورة التوبة: 4]

وقال فخر الدين الرازي :اعلم أنه تعالى لما قال : ( قَاتَلُواْ أَئِمَّةَ الكفر ) [ التوبة : 12 ] أتبعه بذكر السبب الذي يبعثهم على مقاتلتهم فقال : ( أَلاَ تقاتلون قَوْماً نَّكَثُواْ ) ، واعلم أنه تعالى ذكر ثلاثة أسباب كل واحد منها يوجب مقاتلتهم لو انفرد ، فكيف بها حال الاجتماع :

أحدها : نكثهم العهد ، وكل المفسرين حمله على نقض العهد . قال ابن عباس والسدي والكلبي : نزلت في كفار مكة نكثوا أيمانهم بعد عهد الحديبية ، وأعانوا بني بكر على خزاعة وهذه الآية تدل على أن قتال الناكثين أولى من قتال غيرهم من الكفار ليكون ذلك زجراً لغيرهم ،

وثانيها : قوله : ( وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرسول ) فإن هذا من أوكد ما يجب القتال لأجله .وقوله : { وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرسول } إما بالفعل وإما بالعزم عليه ، وإن لم يوجد ذلك الفعل بتمامه ،

وثالثها : قوله : ( وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) يعني بالقتال يوم بدر ، لأنهم حين سلم العير قالوا : لا ننصرف حتى نستأصل محمداً ومن معه.
..

تابع الموضوع : تحريم قتل النفس ولو كانت كافرة 

تعليقات