- تحريم قتل النفس ولو كانت كافرة
تابع رسالة الأنبياء الدعوة وليس القتل
هو ثابت في كتاب الله :
قتل موسى للقبطي ذنب
قتل النبي موسى عليه السلام أحد المصريين الأقباط الذي على ملّة فرعون ووصفه لفعلته وهو يخاطب الله تعالى حين طلب منه أن يأتي قوم فرعون الكافرين قال موسى (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ) الشعراء 14.فوصف قتله للذي لايدين بدين التوحيد بأنه ذنب ولو كان مباحا أو واجبا ما كان أقرّ بأنه ذنب .
ثم اذا ذهب الى فرعون قام بين يديه قال له فرعون ( قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ . وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ).
فأجابه موسى قائلا ( قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ) الشعراء 18-20 .
فوصف مذهب من قام بالقتل بأنه ضلال.
القتل من عمل شيطان
في مشهد آخر في سورة القصص قال تعالى (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ،قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) 15-16ولو كان قتل الكافر حلالا ما وصفه موسى بأنه من عمل الشيطان .
سؤال موسى أن يغفر الله له :
بل إنه سأل الله ان يغفر له خطيئته ، وأقرّ الله تعالى ما ذكره موسى فقال (فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) .
وعليه فدّم المصري المسيحي أو اليهودي أو غيره من الذين لا يدينون بدين الاسلام ، محرّم شرعا ومن قام به فهو ذنب ومن عمل الشيطان
يجب على من فعله التوبة والاستغفار .
وكذلك كل انسان دمّه ليس هدرا وليس مباحا بسبب كون عقيدته مخالفة لغيره.
وهذا ليس كلامنا أو رأينا بل ما يدل عليه كلام ربنا تعالى وهو نصُ لا يحتمل التأويل .
والذي نهى فيه على قتل المسيحي او اليهودي لكنه يحمل في نصه شرطا في حال عدمه مبررا للقتل وهو دفع الجزية ،
يقول الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه باب - إِثْمِ مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا بِغَيْرِ جُرْمٍ -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا ) وفي رواية أخرى قال(من أهل الذمة )
وتَعَلّقَ الضُّلَّال والقَتَلة بلفظ الحديث (معاهدا ) أي الذي له عهد بالأمان وفسروه بأنه عقد جزية ، فعلى زعمهم مادام الأقباط لا يدفعون الجزية الآن فدمهم غير محرم ومباح قتلهم .
وكما ترى فإن ألفاظ الحديث تحتمل الاختلاف ، لذلك فإن حجتنا ودليلنا في القرآن قاطعة واضحة لا تدع مجالا لتأويل أو مخالفة ،
بأن قتل المسيحي أو أي ملة أخرى هو ذنب وأنه ضلال وأنه من عمل الشيطان .
ففي تفسير قوله تعالى في سورة الشعراء : ( قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ *فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) 18-21
قَالَ الضَّحَّاكُ :(وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) أَيْ فِي قَتْلِكَ الْقِبْطِيَّ إِذْ هُوَ نَفْسٌ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ. وَقِيلَ: أَيْ بِنِعْمَتِي الَّتِي كَانَتْ لَنَا عَلَيْكَ مِنَ التَّرْبِيَةِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْكَ.
فأجابه موسى (قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) أَيْ فَعَلْتَ تِلْكَ الْفَعْلَةَ يُرِيدُ قَتْلَ الْقِبْطِيِّ (وَأَنَا) إِذْ ذَاكَ (مِنَ الضَّالِّينَ) أَيْ مِنَ الْجَاهِلِينَ، فَنَفَى عَنْ نَفْسِهِ الْكُفْرَ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى الْجَهْلِ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ،" مِنَ الضَّالِّينَ" مِنَ الْجَاهِلِينَ. قال ابْنُ زَيْدٍ: مِنَ الْجَاهِلِينَ بِأَنَّ الْوَكْزَةَ تَبْلُغُ الْقَتْلَ. وَفِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ ابن مسعود: " مِنَ الْجَاهِلِينَ" ،وَيُقَالُ لِمَنْ جَهِلَ شَيْئًا ضَلَّ عَنْهُ.
قلت.الضّلال هنا ليس الضلال الأكبر ، وهو أن تضلّ عن دين التوحيد وطاعة الله،
فليس كل مَنْ أذنب وعصى ،صار من المجرمين والعصاة ،
فهناك الصغيرة ثم الكبيرة ثم أكبر الكبائر ،
فموسى في اقدامه على قتل نفسا بغير حقّ فقد ضلّ عن الهدى في تحريم الاعتداء،اذن ليس كل من كان من الضالين أن يكون قد ضلّ عن دين التوحيد ،
وهذا مثل من لم يشكر نعمة ما من الله أو من أحد من الناس ، فقلت عنه "أنه من الكافرين "، فأنت لا تقصد أن يكون من الكافرين بالتوحيد والأنبياء والكتب واليوم الآخر ، بل تقصد أنه من الجاحدين للنِعْمَة.
قوله ( فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ) أي فرّ موسى هربا الى مدين حين علم أن قوم موسى يريدون قتله قال تعالى (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ [الْقَصَصِ: 20]
وعليه فدّم المصري المسيحي أو اليهودي أو غيره من الذين لا يدينون بدين الاسلام ، محرّم شرعا ومن قام به فهو ذنب ومن عمل الشيطان
يجب على من فعله التوبة والاستغفار .
وكذلك كل انسان دمّه ليس هدرا وليس مباحا بسبب كون عقيدته مخالفة لغيره.
وهذا ليس كلامنا أو رأينا بل ما يدل عليه كلام ربنا تعالى وهو نصُ لا يحتمل التأويل .
تفسير وشرح حديث نبوي :
لاحظ اننا جئنا بكلام الله تعالى في هذه القضية حيث أنه جاء مجردا من أي اضافة فلا لبس فيه ، مثل ماحكى البعض عن الحديث النبوي:والذي نهى فيه على قتل المسيحي او اليهودي لكنه يحمل في نصه شرطا في حال عدمه مبررا للقتل وهو دفع الجزية ،
يقول الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه باب - إِثْمِ مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا بِغَيْرِ جُرْمٍ -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا ) وفي رواية أخرى قال(من أهل الذمة )
وتَعَلّقَ الضُّلَّال والقَتَلة بلفظ الحديث (معاهدا ) أي الذي له عهد بالأمان وفسروه بأنه عقد جزية ، فعلى زعمهم مادام الأقباط لا يدفعون الجزية الآن فدمهم غير محرم ومباح قتلهم .
وكما ترى فإن ألفاظ الحديث تحتمل الاختلاف ، لذلك فإن حجتنا ودليلنا في القرآن قاطعة واضحة لا تدع مجالا لتأويل أو مخالفة ،
بأن قتل المسيحي أو أي ملة أخرى هو ذنب وأنه ضلال وأنه من عمل الشيطان .
ففي تفسير قوله تعالى في سورة الشعراء : ( قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ *فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) 18-21
قَالَ الضَّحَّاكُ :(وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) أَيْ فِي قَتْلِكَ الْقِبْطِيَّ إِذْ هُوَ نَفْسٌ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ. وَقِيلَ: أَيْ بِنِعْمَتِي الَّتِي كَانَتْ لَنَا عَلَيْكَ مِنَ التَّرْبِيَةِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْكَ.
فأجابه موسى (قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) أَيْ فَعَلْتَ تِلْكَ الْفَعْلَةَ يُرِيدُ قَتْلَ الْقِبْطِيِّ (وَأَنَا) إِذْ ذَاكَ (مِنَ الضَّالِّينَ) أَيْ مِنَ الْجَاهِلِينَ، فَنَفَى عَنْ نَفْسِهِ الْكُفْرَ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى الْجَهْلِ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ،" مِنَ الضَّالِّينَ" مِنَ الْجَاهِلِينَ. قال ابْنُ زَيْدٍ: مِنَ الْجَاهِلِينَ بِأَنَّ الْوَكْزَةَ تَبْلُغُ الْقَتْلَ. وَفِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ ابن مسعود: " مِنَ الْجَاهِلِينَ" ،وَيُقَالُ لِمَنْ جَهِلَ شَيْئًا ضَلَّ عَنْهُ.
قلت.الضّلال هنا ليس الضلال الأكبر ، وهو أن تضلّ عن دين التوحيد وطاعة الله،
فليس كل مَنْ أذنب وعصى ،صار من المجرمين والعصاة ،
فهناك الصغيرة ثم الكبيرة ثم أكبر الكبائر ،
فموسى في اقدامه على قتل نفسا بغير حقّ فقد ضلّ عن الهدى في تحريم الاعتداء،اذن ليس كل من كان من الضالين أن يكون قد ضلّ عن دين التوحيد ،
وهذا مثل من لم يشكر نعمة ما من الله أو من أحد من الناس ، فقلت عنه "أنه من الكافرين "، فأنت لا تقصد أن يكون من الكافرين بالتوحيد والأنبياء والكتب واليوم الآخر ، بل تقصد أنه من الجاحدين للنِعْمَة.
قوله ( فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ) أي فرّ موسى هربا الى مدين حين علم أن قوم موسى يريدون قتله قال تعالى (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ [الْقَصَصِ: 20]
كيف سقطت جريمة موسى عليه السلام :
ثم قال موسى عليه السلام ( فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) أي: الحال الأول انفصل ، وجاء أمر آخر .(قلت. النبوة والرسالة صيرت موسى من حال الى حال ،وأسقطت ما طلبه فرعون من حق المقتول عند موسى ، تماما مثل ما جاء في صحيح مسلم وذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاءه عمرو بن العاص في بداية اسلامه
قال عمرو بن العاص ( فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ،
قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي،
قَالَ: "مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟"
قَالَ: قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ. قَالَ: "تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟"
قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي.
قَالَ: " أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ؟ )
وقلت. ومثل الدخول في الاسلام ، كذلك النبوة والرسالة تهدم ماقبلها أي تسقط ماكان قبلها من ذنوب لصاحبها.
___________
الإثم ليس بالضرورة كفر:
قال الله (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا ) سورة الانسانفقوله (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا) قال ابن جرير الطبري:يقول: ولا تطع في معصية الله من مشركي قومك آثما يريد بركوبه معاصيه،
(أو كفورا): يعنى جحودا لنعمه عنده، وآلائه قِبَلَه، فهو يكفر به، ويعبد غيره
(قلت. ويستفاد منه أنّ الإثم ليس بالضرورة كفر ولفظ (أو) يستفاد منه التفريق بين الأمرين والحكمين)
عمومية الاثم وخصوصية الكفر :
قال فخر الدين الرازي : فكل كفور آثم، أما ليس كُلُّ آثِمٍ كَفُورًا،وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ الْآثِمَ عَامٌّ فِي الْمَعَاصِي كُلِّهَا لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: "وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً [النِّسَاءِ: 48] فَسَمَّى الشِّرْكَ إِثْمًا،
وَقَالَ: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [الْبَقَرَةِ: 283]
وَقَالَ: وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ [الْأَنْعَامِ: 120]،
وَقَالَ: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ [الْبَقَرَةِ: 219] ،
فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَاتُ عَلَى أَنَّ هَذَا الإثم شَامِلٌ لِكُلِّ الْمَعَاصِي، وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَبَدَ غَيْرَ اللَّهِ فَقَدِ اجْتَمَعَ فِي حَقِّهِ هَذَانِ الْوَصْفَانِ، لِأَنَّهُ لَمَّا عَبَدَ غَيْرَهُ، فَقَدْ عَصَاهُ وَجَحَدَ إِنْعَامَهُ.
(قلت.وقد قال تعالى "إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ" الحجرات
و قال "فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ")البقرة
قلت .والآيات رد على عقيدة الخوارج بتكفير أصحاب الكبائر،و الذين كانوا يسمون أنفسهم أهل الايمان أو جماعة المؤمنين.
المعصية عند اهل السنة والمعتزلة والخوارج :
وقال الرازي : الْمَعْصِيَةَ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ وَعِنْدَنَا، لَا تُوجِبُ الْكُفْرَ، أَمَّا عِنْدَنَا فَلِأَنَّ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ مُؤْمِنٌ، وَأَمَّا عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ فَلِأَنَّهُ وَإِنْ خَرَجَ عَنِ الْإِيمَانِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْكُفْرِ،وَأَمَّا عِنْدَ الْخَوَارِجِ فَكُلُّ مَعْصِيَةٍ كُفْرٌ، وَهُمْ تَمَسَّكُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ ( إلا أبليس أبى وكان من الكافرين ) البقرة 34 ،
قَالُوا إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَفَّرَ إِبْلِيسَ بِتِلْكَ الْمَعْصِيَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَعْصِيَةَ كُفْرٌ،
الْجَوَابُ: إِنْ قُلْنَا إِنَّهُ كَافِرٌ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ فَهَذَا السُّؤَالُ زَائِلٌ،
وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهُ كَانَ مُؤْمِنًا، فَنَقُولُ إِنَّهُ إِنَّمَا كَفَرَ لِاسْتِكْبَارِهِ وَاعْتِقَادِهِ كَوْنَهُ مُحِقًّا فِي ذَلِكَ التَّمَرُّدِ وَاسْتِدْلَالِهِ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قلت . الكفر هو في قوله (أبَى) والترك للفروض واوامر الله ليس بالضرورة يكون كفرا ، بل هو حين لا يرى انه فرضا ويجحد كونه أمرا فيكون حينها كفرا،
فتارك الصلاة مثلا قد يكون منه تكاسلا أو تخاذلا وضعفا ويرى أنه مذنب بترك الصلاة ،
وقد يكون الترك للصلاة لأنه يرى عدم وجوبها وانه غير ملزم بها فهو حينئذ مثل ابليس الذي لم يرى وجوب السجود وقال بعد ان سأله الله : لم لم تسجد ، قال لا ينبغي لي ان اسجد ،وأصرّ على المعصية وعدم السجود.
فالآية( إلا أبليس أبى وكان من الكافرين ) في موضع البقرة مجملة، لكنها مفصلة في مواضع اخرى ، كسورة الحجر قال (فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ . إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ .قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ . قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ. وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ)31-34
الخلاصة :أن آية سورة الانسان، أحد الأدلة على التفريق بين الاثم والكفر .
تفسير تكذيب الرسل في قصص الأمم الهالكة في كتاب الله :
في سورة غافر قال تعالى (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ ، وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ) الآية 5،أي أن جميع الأمم الغابرة لم يكتفوا بكفرهم برسلهم بل همّوا بقتلهم ، وهو علة نزول عذاب الله للكفار في الأمم الغابرة واهلاكهم في الدنيا، ثم الأمر على قتالهم وفرض الجهاد،
والتكذيب الذي جاء بصيغة مطلقة في بعض آيات القرآن واستحق العذاب والهلاك :،
إنما هو تكذيب يحمل معه أذى الرسل وأتباعهم ويبدأ باللسان والسخرية ورمي الرسل بالباطل والسحر والجنون والتكذيب،وتشويه الدين والطعن في الآيات التي جاء بها المرسلين، ثم تمادوا فبسطوا أيديهم اليهم بالضرب أو القتل
أو اخراجهم من بيوتهم وديارهم ، والتهديد والوعيد إن لم يعودوا الى ملّتهم ، كل ذلك كان سببا لنصرة الله للمؤمنين من السماء والابقاء على رسالة التوحيد في الأرض والحفاظ عليها لتكون حجة على الناس أجمعين ورحمة من ربك .
أمثلة تكذيب يحمل الاعتداء :
كقوم ابراهيم قالوا (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ) الأنبياء 68 ،وقول أبيه له (قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) مريم 46 ،
وقوم صالح (قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ )النمل 49
وقوم نوح (قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَانُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ ) الشعراء 116
وقوم شعيب (قَالُوا يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ )هود91
وأصحاب القرية في سورة يس فقال أهل القرية للمرسلين(قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ )18
وقصة موسى مع فرعون في سورة الدخان (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ ، وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ )201-21
طلب منهم موسى ان يعتزلوهم ولا يقربوهم بأذى إن لم يؤمنوا به،
وهو نفس طلب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأهل مكة لما استعدوا للقتال حينما أراد النبي صلى الله عليه وسلم العمرة وزيارة البيت الحرام
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا ويح قريش! قد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر الناس ؟) رواه أحمد في المسند،
لكن الظالمون أبوا إلا الايذاء والاعتداء .
ثم جمع الله قصص الرسل جميعا مع أقوامهم في الآية الجامعة البليغة في سورة ابراهيم قال
(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ) 13 ، ثم نعلم جميعا قصة أصحاب الأخدود وأصحاب الكهف .
ثم الخاتمة لمذهبنا الحقّ، قوله تعالى لنبينا الكريم صلى الله عليه وسلم (وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا * سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا ) الاسراء 76- 77
قلت. وسواء كان المراد بالإخراج في الآيات هو القتل أو الحبس أو النفي من القرية ، إلا أنه سواء في وأد الرسالة ودين الله فلذلك استحقوا العذاب والهلاك .
ثم الخاتمة لمذهبنا الحقّ، قوله تعالى لنبينا الكريم صلى الله عليه وسلم (وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا * سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا ) الاسراء 76- 77
قلت. وسواء كان المراد بالإخراج في الآيات هو القتل أو الحبس أو النفي من القرية ، إلا أنه سواء في وأد الرسالة ودين الله فلذلك استحقوا العذاب والهلاك .
الخلاصة في تكذيب الأمم السابقة
أن التكذيب الوارد في آيات القرآن والذي بسببه أهلك الله الأمم الغابرة كقوم نوح وصالح وغيرهم ، وبسببه شُرِعَ القتال لموسى واليهود وشرع لمحمد والمسلمين ،
لم يك كفرا وتكذيبا مجردا ، لكنه حمل معه التكذيب من أذى باللسان واليد وصد عن الدعوة والبلاغ وفتنة المؤمنين .