شرح بني الاسلام على خمس :
6 – حديث ابنِ عُمَرَ:
قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : بُنِيَ الإِسلامُ عَلَى خَمسٍ: شَهَادَةِ أَن لاَ إِلهَ إِلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البَيتِ، وَصَومِ رَمَضَانَ.
وَفِي رِوَايَةٍ: وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَالحَجِّ. فَقَالَ رَجُلٌ: الحَجِّ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ؟ قَالَ: لا، صِيَامِ رَمَضَانَ، وَالحَجِّ، هكَذَا سَمِعتُهُ مِن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم .وَفِي أُخرَى: بُنِيَ الإِسلاَمُ عَلَى خَمسٍ: عَلَى أَن يُعبَدَ اللهُ، ويُكفَرَ بِمَا دُونَهُ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ. . . الحَدِيثَ.
رواه أحمد (2/ 26 و 93)، والبخاري (8)، ومسلم (16)، والترمذي (2736)، والنسائي (8/ 107).
روايات الحديث وزيادة:
(قلت.وفي رواية للحديث بطوله:عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو المَعَافِرِيِّ، أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَهُ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَحُجَّ عَامًا، وَتَعْتَمِرَ عَامًا وَتَتْرُكَ الجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا رَغَّبَ اللَّهُ فِيهِ، قَالَ: «يَا ابْنَ أَخِي بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ، إِيمَانٍ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالصَّلاَةِ الخَمْسِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البَيْتِ» قَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَلاَ تَسْمَعُ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} ، {قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ}
قَالَ: " فَعَلْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ الإِسْلاَمُ قَلِيلًا، فَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ: إِمَّا قَتَلُوهُ، وَإِمَّا يُعَذِّبُونَهُ، حَتَّى كَثُرَ الإِسْلاَمُ فَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ ".
قَالَ: فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ؟
قَالَ: "أَمَّا عُثْمَانُ فَكَأَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَكَرِهْتُمْ أَنْ تَعْفُوا عَنْهُ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَتَنُهُ» وَأَشَارَ بِيَدِهِ، فَقَالَ: هَذَا بَيْتُهُ حَيْثُ تَرَوْنَ " (لفظ البخاري)
ورواية لمسلم :
حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ، يُحَدِّثُ طَاوُسًا، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَلَا تَغْزُو؟
فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " إِنَّ الْإِسْلَامَ بُنِيَ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ "
شرح حديث بني الاسلام على خمس:
قال أبو عباس القرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم :(قوله - عليه الصلاة والسلام -: بُنِيَ الإِسلامُ عَلَى خَمسٍ) يعني: أن هذه الخمس أساسُ دين الإسلام، وقواعدُه عليها تنبني، وبها تقوم، وإنما خَصَّ هذه بالذكر ولم يذكُر معها الجهاد، مع أنه به ظهر الدين، وانقمع به عُتَاةُ الكافرين؛
لأنَّ هذه الخمس فرضٌ دائم على الأعيان، ولا تسقطُ عمَّن اتَّصَفَ بشروط ذلك، والجهادُ من فروض الكفايات، وقد يسقُطُ في بعض الأوقات،
بل وقد صار جماعةٌ كثيرةٌ إلى: أنّ فرضَ الجهاد قد سقَطَ بعد فتح مكَّة، وذُكرَ أنَّه مذهبُ ابنِ عمر، والثوري، وابن سِيرِينَ، ونحوُهُ لسُحنُون من أصحابنا، إلا أن ينزلَ العَدُو بقوم، أو يأمر الإمامُ بالجهاد، فيلزمُ عند ذلك.
وقد ظهَرَ مِن عدولِ ابن عمر عن جواب الذي قال له: ألا تغزو؟،
إلى جوابه بقول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: بُنِيَ الإِسلامُ عَلَى خَمسٍ، أنَّه كان لا يرى فرضيَّةَ الجهاد في ذلك الوقت خاصَّةً، أو على أنَّهُ يرى سقوطَهُ مطلقًا؛ كما نُقِلَ عنه.
وحديث ابن عمر هذا قد روي من طرق: ففي بعضها: شَهَادَةِ أَن لاَ إِلهَ إِلا اللهُ، وفي بعضها: على أن تعبَدَ اللهُ، وتكفَرَ بما دونه، فالأُولَى نَقلٌ للفظ، والأخرى نقلُ بالمعنى، والأصل نقل اللفظ، وهو المتفق عليه.
وقد اختُلِفَ في جواز نقل الحديثِ بالمعنى مِنَ العالِمِ بمواقعِ الكلم، وتركيبها على قولين: الجواز، والمنع. وأما مَن لا يَعرِف، فلا خلافَ في تحريمِ ذلك عليه، وقد أوضحنا المسألةَ في الأصول.
وقد وقع في بعضِ الرواياتِ في الأصل تقديمُ الحجِّ على الصوم، وهي وَهَمٌ، والله أعلم؛ لأنَّ ابن عمر لمَّا سَمِعَ المستعيدَ يُقدِّمُ الحجَّ على الصوم، زجَرَهُ ونهاه عن ذلك، وقدَّم الصومَ على الحجِّ، وقال: هكَذَا سَمِعتُهُ مِن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم . ولا شك في أنَّ نقل اللفظ كما سُمِعَ هو الأَولَى والأسلم، والأعظم للأجر؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام -: نَضَّرَ اللهُ امرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا، ثُمَّ أَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا؛ فَرُبَّ حَامِلِ فِقهٍ إِلَى مَن هو أَفقَهُ مِنهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقهٍ لَيسَ بِفَقِيهٍ . ويَحتَمِلُ أن يكون محافظةُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على ترتيب هذه القواعد؛ لأنَّها نزلَت كذلك: الصلاةُ أولاً، ثُمَّ الزكاةُ، ثُمَّ الصوم، ثُمَّ الحج.
وَيَحتَمِلُ ذلك أن يكونَ لإفادة الأوكد فالأوكد؛ فقد يَستَنبِطُ الناظرُ في ذلك الترتيب تقديمَ الأوكدِ على ما هو دونَهُ إذا تعذَّر الجمعُ بينهما؛ كمن ضاق عليه وقتُ الصلاة، وتعيَّن عليه في ذلك الوقتِ أداءُ الزكاة لضرورة المستَحِقِّ؛ فيبدأ بالصلاة، أو كما إذا ضاق وقتُ الصلاة على الحَاجِّ، فيتذكَّرُ العشاءَ الآخرة، وقد بقي عليه مِن وقت صلاة العشاء الآخرة ما لو فعلَهُ فاته الوقوفُ بِعَرَفَةَ، فقد قال بعضُ العلماء: إنَّه يبدأُ بالصلاة وإن فاته الوقوفُ؛ نظرًا إلى ما ذكرناه، وقيل: يبدأ بالوقوف؛ للمشقَّةِ في استئناف الحَجِّ.
ومن ذلك: لو رجلٌ بزكاةٍ فرَّط في أدائها، وبكفَّارةِ فِطرٍ من رمضان، وضاقَ الثلثُ عنهما، بدَأَ بالزكاة أولا لأوكديَّتها على الصوم، وكذلك: لو بكفَّارةِ الفطر وبَهديٍ واجبٍ في الحَجِّ، قدَّمَ كَفَّارَةَ الفِطر؛ وهذا كلُّه على أصل مالك، فإنَّ ذلك كلَّه يُخرَجُ من الثلث، وأمّا مَن ذهب إلى أنَّ ذلك يُخرَجُ من رأس المال، فلا تفريعَ على ذلك بشيء ممَّا ذكرناه، والله تعالى أعلم