حديث بدء الوحي

كتاب النبهان
شرح أحاديث اللؤلؤ والمرجان.

شرح حديث بدء الوحي :

كتاب النبهان شرح ما اتفق عليه الشيخان من الأحاديث النبوية: 

8- حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
في صحيح البخاري
أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، فَكَانَ يَأْتِي حِرَاءً فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ، وَهُوَ التَّعَبُّدُ، اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَتُزَوِّدُهُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى فَجِئَهُ الحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ المَلَكُ فِيهِ، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ،
فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} - حَتَّى بَلَغَ - {عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} ،
" فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ، فَقَالَ: " زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي" فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ: «يَا خَدِيجَةُ، مَا لِي» وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ، وَقَالَ: " قَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي "
فَقَالَتْ لَهُ: كَلَّا، أَبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ،
ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى بْنِ قُصَيٍّ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخُو أَبِيهَا، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العَرَبِيَّ، فَيَكْتُبُ بِالعَرَبِيَّةِ مِنَ الإِنْجِيلِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ،
فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: أَيِ ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ،
فَقَالَ وَرَقَةُ: ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟
فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأَى، فَقَالَ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ» فَقَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا.


وعند الامام مسلم : أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةَ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ،
ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ، فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ يَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِيَ أُوْلَاتِ الْعَدَدِ، قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ( وذكر الحديث بطوله)

شرح حديث عائشة رضي الله عنها :

قوله : ( من الوحي ) يحتمل أن تكون " من " تبعيضية، أي : من أقسام الوحي، ويحتمل أن تكون بيانية، ورجحه القزاز .
قوله : ( الرؤيا الصادقة ) هكذا وقعت في رواية البخاري في كتاب التعبير وفي كتاب بدء الوحي ( الرؤيا الصالحة) وهي التي ليس فيها ضغث
( الضغث : المُخْتَلِط لا حقيقة له) ،
انما ابتدىء صلى الله عليه وسلم بالرؤيا لئلا يفجأه الملك ويأتيه صريح النبوة بغتة فلا يحتملها قوى البشرية فبدىء بأول خصال النبوة وتباشير الكرامة من صدق الرؤيا وما جاء في الحديث الآخر من رؤية الضوء وسماع الصوت وسلام الحجر والشجر عليه بالنبوة . .

قوله : ( في النوم ) لزيادة الإيضاح، أو ليخرج رؤيا العين في اليقظة لجواز إطلاقها مجازا .
وقال القاضي أبو بكر بن العربي :" الرؤيا" إدراكات علقها الله تعالى في قلب العبد على يدي ملك أو شيطان إما بأسمائها أي حقيقتها وإما بكناها أي بعبارتها وإما تخليط، ونظيرها في اليقظة ، الخواطر فإنها قد تأتي على نسق في قصة وقد تأتي مسترسلة غير محصلة، هذا حاصل قول الأستاذ أبي إسحاق )
وقال القرطبي ( الرؤيا ، إنما هي من إدراكات النفس وقد غيب عنا علم حقيقتها أي النفس، وإذا كان كذلك فالأولى أن لا نعلم علم إدراكاتها، بل كثير مما انكشف لنا من إدراكات السمع والبصر إنما نعلم منه أمورا جملية لا تفصيلة ) .

قوله : ( مثل فلق الصبح ) أي مشبهة ضياء الصبح، أو على أنه صفة لمحذوف، أي جاءت مجيئا مثل فلق الصبح .
والمراد بفلق الصبح : ضياؤه . وخص بالتشبيه لظهوره الواضح الذي لا شك فيه .

قوله ( حُبِّبَ إِلَيْهِ ) لم يسم فاعله لعدم تحقق الباعث على ذلك، وإن كان كل من عند الله، أو لينبه على أنه لم يكن من باعث البشر، أو يكون ذلك من وحي الإلهام .
( الْخَلَاءُ ) الخلوة، والسر فيه : أن الخلوة فراغ القلب لما يتوجه له .
(بِغَارِ حِرَاءٍ ) والغار : نقب في الجبل وجمعه غيران . حراء هو جبل معروف بمكة . ( يَتَحَنَّثُ) هي بمعنى يتحنف، أي يتبع الحنفية وهي دين إبراهيم، والفاء تبدل ثاء في كثير من كلامهم .
وقيل معنى "يتحنث" يتجنب الحنث فكأنه بعبادته يمنع نفسه من الحنث .
قوله : ( وهو التعبد ) هذا "مدرج " في الخبر، وهو من تفسير الزهري كما جزم به الطيبي ولم يذكر دليله . نعم في رواية المؤلف من طريق يونس عنه في التفسير ما يدل على الإدراج .
قوله : ( الليالي ذوات العدد ) يتعلق بقوله يتحنث، وإبهام العدد لاختلافه، كذا قيل .
وهو بالنسبة إلى المدد التي يتخللها مجيئه إلى أهله، وإلا فأصل الخلوة قد عرفت مدتها وهي شهر، وذلك الشهر كان رمضان، رواه ابن إسحاق .
قوله : ( لمثلها ) أي : الليالي .
والتزود استصحاب الزاد . ويتزود معطوف على يتحنث .

اختلاف في عبادة النبي (ص) قبل البعث :

قال القرطبي : واختُلِف في عبادة النبيّ صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه ، هل كانت لأنّه كان متعبِّدًا بشريعة مَن قبله ؟
أم كانت لِمّا جعل الله في نفسه وشرح به صدره من نور المعرفة ، ومن بغضه لِما كان عليه قومه من عبادة الأوثان وسوء السيرة وقبح الأفعال ،
فكان يفرّ منهم بُغْضًا ويخلو بمعروفه أُنسًا .
وصحح القرطبي القول الثاني .
( قلت . كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته على الفطرة كما ثبت أن كل مولود يولد على الفطرة ، وظل عليها وقد عصمه الله بقدره وحوله أن يتعبد بأي عبادة من عبادات الناس ، وثبت وبالتواتر كما في صحيح مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ، فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ(  من الالتئام أي جمع القلب)
 ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ - يَعْنِي ظِئْرَهُ - فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ "،
قَالَ أَنَسٌ: «وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ». )

ترجمة خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم

- وخديجة رضي الله عنها هي أم المؤمنين بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى.
أم أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ( القاسم، والطيب، والطاهر، ماتوا رضعا ; ورقية، وزينب، وأم كلثوم، وفاطمة ) عليهم السلام .
وأول من آمن به وصدقه قبل كل أحد، وثبتت جاشه، ومن كرامتها عليه صلى الله عليه وسلم أنها لم يتزوج امرأة قبلها، وجاءه منها عدة أولاد، ولم يتزوج عليها قط،
قال الزبير بن بكار: كانت خديجة تدعى في الجاهلية "الطاهرة".
وأم خديجة ، هي فاطمة بنت زائدة العامرية.
كانت خديجة أولا، تحت أبي هالة بن زرارة التميمي، ثم خلف عليها بعده عتيق بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم،
ثم بعده النبي صلى الله عليه وسلم، فبنى بها وله خمس وعشرون سنة.وكانت أسنّ منه بخمس عشرة سنة. قال الحاكم: ماتت بعد أبي طالب بثلاثة أيام .
وروى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال :
( خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ) .
و عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: « مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا »،
قَالَتْ : " وَتَزَوَّجَنِي بَعْدَهَا بِثَلاَثِ سِنِينَ "

تكملة شرح حديث بدء الوحي

- قوله : (حتى فجئه الحق) - بكسر الجيم - أي جاءه الحق بغته .
ورواية أخرى (حتى جاءه الحق ) أي : الأمر الحق .
وقد وقع في رواية أبي الأسود عن عروة عن عائشة قالت :
إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول شأنه يرى في المنام، وكان أول ما رأى جبريل بأجياد، صرخ جبريل : " يا محمد " فنظر يمينا وشمالا فلم ير شيئا، فرفع بصره فإذا هو على أفق السماء فقال : " يا محمد، جبريل، جبريل " فهرب فدخل في الناس فلم ير شيئا، ثم خرج عنهم فناداه فهرب ،
ثم استعلن له جبريل من قبل حراء، فذكر قصة إقرائه ( اقرأ باسم ربك )
ورأى حينئذ جبريل له جناحان من ياقوت يختطفان البصر، وهذا من رواية ابن لهيعة عن أبي الأسود، وابن لهيعة ضعيف(رواه الترمذي) .

وقد ثبت في صحيح مسلم من وجه آخر عن عائشة مرفوعا : " لم أره - يعني جبريل - على صورته التي خلق عليها إلا مرتين " ،
وبيّن أحمد ابن حنبل في حديث ابن مسعود أن الأولى كانت عند سؤاله إياه أن يريه صورته التي خلق عليها، والثانية عند المعراج .
وللترمذي من طريق مسروق عن عائشة : " لم ير محمد جبريل في صورته إلا مرتين : مرة عند سدرة المنتهى، ومرة في أجياد " وهذا يقوي رواية ابن لهيعة، وتكون هذه المرة غير المرتين المذكورتين، وإنما لم يضمها إليهما لاحتمال أن لا يكون رآه فيها على تمام صورته، والعلم عند الله تعالى .

قوله : ( ما أنا بقارئ ) ثلاثا .
" ما " نافية، والباء زائدة لتأكيد النفي، أي ما أُحْسِن القراءة .
فلما قال ذلك ثلاثا قيل له : ( اقرأ باسم ربك )
أي : لا تقرؤه بقوتك ولا بمعرفتك، لكن بحول ربك وإعانته، فهو يعلمك، كما خلقك وكما نزع عنك علق الدم وغمز الشيطان في الصغر، وعلم أمتك حتى صارت تكتب بالقلم بعد أن كانت أمية، ذكره السهيلي .
قوله : (فَغَطَّنِي) أراد ضمني وعصرني أو خنقني  .
قوله ( حتّى بلغ منّي الجَهد ) ؛ أي : غاية المشقَّة .
قوله : " أرسلني " أي أطلقني، ولم يذكر الجهد هنا في المرة الثالثة، وهو ثابت عند المؤلف في التفسير .
قوله : ( فرجع بها ) أي : بالآيات أو بالقصة .
( تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ ) البَوادِرُ من الإِنسان جمع بادرة، اللحمة التي بين المنكب والعنق .
قوله : ( فزملوه ) أي : لفوه .
والرّوع ، بالفتح : الفزع .
قوله : ( لقد خشيت على نفسي ) والخشية المذكورة اختلف العلماء في المراد بها ، وأصوبها أنها الموت من شدة الرعب ، أو المرض المزمن ،
ومنه الجنون .
قوله : ( فقالت خديجة : كلا ) معناها : النفي والإبعاد .
( لا يخزيك الله أبدا ) في رواية الكشميهني " لا يحزنك " .
ثم استدلت على ما أقسمت عليه من نفي ذلك أبدا بأمر استقرائي وصفته بأصول مكارم الأخلاق، لأن الإحسان إما إلى الأقارب أو إلى الأجانب، وإما بالبدن أو بالمال، وإما على من يستقل بأمره أو من لا يستقل، وذلك كله مجموع فيما وصفته به .
والكَلّ ، بفتح الكاف : هو من لا يستقل بأمره كما قال الله تعالى : (وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ)
وقولها : " وتكسب المعدوم " في رواية الكشميهني وتكسب بضم أوله، وعليها ، قيل : الصواب: المعدم بلا واو أي الفقير، لأن المعدوم هو العاجز لا يكسب . ويقال : كسبت الرجل مالا وأكسبته بمعنى ، اي تعطيه له تطوعا .
قولها ( تعين على نوائب الحق ) النوائب جمع نائبة وهى الحادثة وانما قالت نوائب الحق لأن النائبة قد تكون في الخير وقد تكون في الشر .

قوله ( تَنَصَّرَ ) أي : صار نصرانيا، وكان قد خرج هو وزيد بن عمرو بن نفيل، لما كرها عبادة الأوثان إلى الشام وغيرها يسألون عن الدين، فأما ورقة فأعجبه دين النصرانية فتنصر، وكان لقي من بقي من الرهبان على دين عيسى ولم يبدل، ولهذا أخبر بشأن النبي -صلى الله عليه وسلم -والبشارة به، إلى غير ذلك مما أفسده أهل التبديل .

( فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: أَيِ ابْنَ عَمِّ ) هذا النداء على حقيقته، ووقع في مسلم " يا عمّ " وهو وهم، لأنه وإن كان صحيحا لجواز إرادة التوقير لكن القصة لم تتعدد ومخرجها متحد، فلا يحمل على أنها قالت ذلك مرتين، فتعين الحمل على الحقيقة . قولها (اسمع من ابن أخيك ) .لأن والده عبد الله بن عبد المطلب وورقة في عدد النسب إلى قصي بن كلاب الذي يجتمعان فيه سواء، فكان من هذه الحيثية في درجة إخوته .
أو قالته على سبيل التوقير لسنّه .

قوله ( هَذَا النَّامُوسُ ) والناموس : هو صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي يُطْلِعُهُ بِمَا يَسْتُرُهُ عَنْ غَيْرِهِ ، كما جزم به البخاري في أحاديث الأنبياء . وهو الصحيح الذي عليه الجمهور . و نمست الرجل ونامسته ساررته .
والمراد بالناموس هنا : جبريل -عليه السلام- .
قوله (ياليتنى فيها جذعا) الضمير فيها يعود إلى أيام النبوة ومدتها ، وقوله جذعا يعني شابا قويا حتى أبالغ في نصرتك، والأصل في الجذع للضأن والدواب وهو هنا استعارة .
وقوله : ( أنصرك نصرًا مؤزَّرًا ) ومعناه : قوِيًّا ، مأخوذ من الأزر وهو القوّة ، قال الله تعالى : { اشْدُدْ به أزري }.
__________________________


تعليقات