حديث إنما الأعمال بالنيات



شرح حديث النية :

أَثَرُ النِيّة في حياة الإنسان ومصيره :

إنما الأعمال بالنيات ولكل إمرئٍ ما نوى 

 فمنا من يريد  رضا الله وحبه ودعوته ومنا من يريد رضا نفسه وشهواتها ورضا زوجه والناس ، وكلٌ يعمل ويحيا على شاكلته .

كتاب النبهان شرح ما اتفق عليه الشيخان : 12- باب العمل بالنية  

1- حديث : إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى :

قال البخاري : حدثنا الحميدي عبد الله بن الزبير، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي، أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي، يقول سمعت :عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: 

" إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه ".

روى البخاري الحديث في أول كتابه الصحيح ،

وفي رواية : قال : حدثنا عبد الله بن مسلمة، قال: أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقاص، عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: 

" الأعمال بالنية ،ولكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه" .

وهي رواية واسناد مسلم في صحيحه .
وأخرجه مسلم في كتاب الامارة : باب قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنية " ، وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال
.

شرح اسناد حديث العمل بالنية:

قوله (حدثنا الحميدي ) هو أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى منسوب إلى حميد بن أسامة بطن من بني أسد بن عبد العزى بن قصي رهط خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم يجتمع معها في أسد ويجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي ،
وهو إمام كبير مصنف رافق الشافعي في الطلب عن سفيان بن عيينة وطبقته وأخذ عنه الفقه ورحل معه إلى مصر ورجع بعد وفاته إلى مكة إلى أن مات بها سنة تسع عشرة ومائتين من الهجرة.
وقوله (حدثنا سفيان) هو ابن عيينة بن أبي عمران الهلالي أبو محمد المكي أصله ومولده الكوفة وقد شارك مالكا في كثير من شيوخه وعاش بعده عشرين سنة وكان يذكر أنه سمع من سبعين من التابعين
و يحيى بن سعيد الأنصاري اسم جده قيس بن عمرو وهو صحابي ويحيى من صغار التابعين ،
وشيخه: محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد التيمي من أوساط التابعين وشيخ محمد "علقمة بن وقاص الليثي " من كبارهم،
ففي إسناد الحديث ثلاثة من التابعين في نسق.

قيمة الحديث وقدره :

وقد تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم قدر هذا الحديث ،
قال أبو عبد الله: ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شيء أجمع وأغنى وأكثر فائدة من هذا الحديث،
واتفق عبد الرحمن بن مهدي والشافعي وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني وأبو داود والترمذي والدارقطني وحمزة الكناني على أن الحديث هو ثلث الإسلام،
ومنهم من قال: رُبُعَه .
واختلفوا في تعيين الباقي،
وقال ابن مهدي أيضا: "يدخل في ثلاثين بابا من العلم ".
وقال الشافعي "يدخل في سبعين بابا" .ويحتمل أن يريد بهذا العدد المبالغة وقال عبد الرحمن بن مهدي:"ينبغي أن يجعل هذا الحديث رأس كل باب".
وكلام الإمام أحمد يدل على أنه أراد بكونه ثلث العلم أنه أحد القواعد الثلاث التي ترد إليها جميع الأحكام عنده وهي هذا ،
وحديث " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" ،
وحديث "الحلال بَيِّن والحرام بَيِّن وبينهما متشابهات "الحديث.
افتقار الإيمان و التوبة والأعمال الصالحة والدين كله للنية الصادقة :
قلت. بل الحديث هو الدين كله فلا يصحّ شيء ولا يعتد به إلا بما في الصدر .

تعريف النية :

نوى الشيء أي قصده واعتقده وأراده
وقال النووي "النية القصد وهي عزيمة القلب.
واختلف الفقهاء هل النية ركن أو شرط، أي جزء من العمل أو شرط لصحته .
والمرجح أن إيجادها ذكرا في أول العمل ركن، واستصحابها حكما.
وقال البيضاوي :"النية "عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا لغرض من جلب نفع أو دفع ضر حالا أو مآلا،
والشرع خصصه بالإرادة المتوجهة نحو الفعل لابتغاء رضاء الله وامتثال حكمه.
قيل أن تقدير الحديث : أي لا عمل إلا بالنية ،
فليس المراد نفي ذات العمل لأنه قد يوجد بغير نية، بل المراد نفي أحكامها كالصحة والكمال .
لكن الحمل على نفي الصحة أولى لأنه أشبه بنفي الشيء نفسه ،
ولأن اللفظ دل على نفي الذات بالتصريح وعلى نفي الصفات بالتبع فلما منع الدليل نفي الذات بقيت دلالته على نفي الصفات مستمرة .
قال القرطبي في المفهم: فيه تحقيق لاشتراط النية والإخلاص في الأعمال.
وقال ابن السمعاني: أفادت أن الأعمال الخارجة عن العبادة لا تفيد الثواب إلا إذا نوى بها فاعلها القربة، كالأكل إذا نوى به القوة على الطاعة.

هل تجزي نية العمل عن فعله وتنفيذه ؟

عن جابر، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة، فقال:
(لرجالًا ما سرتم مسيرًا، ولا قَطَعتُم واديًا إلا كانوا معكم، حَبَسَهُمُ المرض)

رواه مسلم في صحيحه .
يدل على أنَّ الناوي لأعمال البرِّ؛ الصادق النية فيها؛ إذا منعه من ذلك عذر كان له مثلُ أجر المباشر مضاعفًا .
وقد دلَّ عليه من الحديث ذكر قطع الوادي، والمسير، فإن هذا إشارة إلى قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُم لا يُصِيبُهُم ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} إلى قوله تعالى: {وَلا يَقطَعُونَ وَادِيًا إِلا كُتِبَ لَهُم لِيَجزِيَهُمُ اللَّهُ أَحسَنَ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ} سورة التوبة ،
ولما كان القاعدون لأجل العُذر قد صحَّت نيَتهم في مباشرة كل ما باشره إخوانهم المجاهدون؛ أعطاهم الله تعالى مثل أجر مَن باشر كما قدَّمناه في حديث أبي كبشة الأنماري.
قال النووي : فتقدير هذا الحديث إن الأعمال تحسب بنية ولاتحسب إذا كانت بلا نية وفيه دليل على أن الطهارة وهى الوضوء والغسل والتيمم لاتصح الا بالنية وكذلك الصلوة والزكوة والصوم والحج والاعتكاف وسائر العبادات وأما إزالة النجاسة فالمشهور عندنا أنها لاتفتقر إلى نية لأنها من باب التروك والترك لايحتاج إلى نية ،
وقد نقلوا الإجماع فيها وشذ بعض أصحابنا فأوجبها وهو باطل ،
وتدخل النية في الطلاق والعتاق والقذف ، ومعنى دخولها أنها إذا قارنت كناية صارت كالصريح وان أتى بصريح طلاق ونوى طلقتين أو ثلاثا وقع ما نوى ،
وإن نوى بصريح غير مقتضاه دين فيما بينه وبين الله تعالى ولايقبل منه في الظاهر.
معناه من قصد بهجرته وجه الله وقع أجره على الله،
ومن قصد بها دنيا أو امرأة فهي حظه ولا نصيب له في الآخرة بسبب هذه الهجرة.

2- إثم من لم يُخلص في الجهاد وسائر الأعمال :

وأن الإخلاصَ في الطاعات واجب، وأن الرِّياء يفسدها.
ولا يكون تائبا شرعا، إذ قد يفعل ذلك شحًا على ماله، أو لئلا يعيره الناس من ذلك.
الدليل الشرعي : عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقضَى عَلَيهِ يَومَ القِيَامَةِ :
رَجُلٌ استُشهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا،
قَالَ: فَمَا عَمِلتَ فِيهَا ؟
قَالَ: قَاتَلتُ فِيكَ حَتَّى استُشهِدتُ،
قَالَ: كَذَبتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلتَ لِأَن يُقَالَ جَرِيءٌ، فَقَد قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجهِهِ حَتَّى أُلقِيَ فِي النَّارِ،
وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلمَ وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ القُرآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا،
قَالَ: فَمَا عَمِلتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمتُ العِلمَ وَعَلَّمتُهُ، وَقَرَأتُ فِيكَ القُرآنَ،
قَالَ: كَذَبتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمتَ العِلمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأتَ القُرآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَد قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجهِهِ، حَتَّى أُلقِيَ فِي النَّارِ.
وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيهِ، وَأَعطَاهُ مِن أَصنَافِ المَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا،
قَالَ: فَمَا عَمِلتَ فِيهَا؟
قَالَ: مَا تَرَكتُ مِن سَبِيلٍ تُحِبُّ أَن يُنفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنفَقتُ فِيهَا لَكَ،
قَالَ: كَذَبتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ، فَقَد قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجهِهِ حتى أُلقِيَ فِي النَّارِ
"
رواه مسلم في صحيحه وأحمد والنسائي .
تنبيه هام :
قلت .قد يلتبس نصّ الحديث على البعض فيظن أن جزاء من لم يخلص في عمل من أعمال العبادات كالجهاد أو تعليم القرآن، جزاؤه هو جهنم ،
بل إن جزاؤه هو احباط هذا العمل فلا يثاب عليه، فاذا لم يكن له حسنات تكفّر عن سيئات عمله، أُدْخِل حينئذ النار ،
أو يُحمل على أن المرء كاذب في أصل إيمانه وأنه من المنافقين .

3- قوله تعالى : من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نُوَفِّ إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار، وحبط ما صنعوا فيها، وباطل ما كانوا يعملون}

سوة هود.
قال ابن جرير الطبري عند تفسيرها : أي من كان يريد بعمله الحياة الدنيا،
وإيّاها وَزينتها يطلب به، نوفّ إليهم أجور أعمالهم فيها وثوابها
(وهم فيها) يقول: وهم في الدنيا،
(لا يبخسون) ، يقول: لا ينقصون أجرها، ولكنهم يوفونه فيها
(وباطل ما كانوا يعملون) ، لأنهم كانوا يعملون لغير الله، فأبطله الله وأحبط عامله أجره.
قلت. قد ذكر الله تعالى في بعض من شهد موقعة أحد حيث قال " مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ" سورة آل عمران .
قال ابن حجر : أي من أراد بعمله ثواب الدنيا عجل له الثواب ولم ينقص شيئا في الدنيا، وله في الآخرة العذاب لأنه جرد قصده إلى الدنيا، وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم:" إنما الأعمال بالنيات" فالعبد إنما يعطى على وجه قصده، وبحكم ضميره، وهذا أمر متفق عليه في الأمم بين كل ملة.
وقيل أن أبا هريرة، بكى بكاء شديدا وقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:" من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها" وقرأ الآيتين،..
وقيل: الآية عامة في كل من ينوي بعمله غير الله تعالى، كان معه أصل إيمان أو لم يكن، قال مجاهد وميمون بن مهران، وإليه ذهب معاوية رحمه الله تعالى.
وقال ميمون بن مهران: ليس أحد يعمل حسنة إلا وفي ثوابها، فإن كان مسلما مخلصا وفي في الدنيا والآخرة، وإن كان كافرا وفي الدنيا. وقيل: من كان يريد الدنيات بغزوه مع النبي صلى الله عليه وسلم وفيها، أي وفي أجر الغزاة ولم ينقص منها، وهذا خصوص والصحيح العموم
وفي سورة الروم :
وقال الله عز وجل : " وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ " سورة البقرة (272)
فما كان لله فلا يضيع وهو باق وما كان لغيره فهو هباء منثورا
وفي الحديث الصحيح: " إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، وإنما ينظر إلى قلوبكم، وأعمالكم " .

4- علاقة النية بالطاعات والمعاصي والمباح :

قال فخر الدين الرازي : اعلم أن الأعمال على ثلاثة أقسام: طاعات، ومعاصي، ومباحات،
أما المعاصي : فهي لا تتغير عن موضوعاتها بالنية، فلا يظن الجاهل أن
قوله عليه الصلاة والسلام: " إنما الأعمال بالنيات " ،
يقتضي انقلاب المعصية طاعة بالنية ، كالذي يطعم فقيرا من مال غيره، أو يبني مسجدا من مال حرام.
الثاني: الطاعات :وهي مرتبطة بالنيات في الأصل وفي الفضيلة،
أما في الأصل فهو أن ينوي بها عبادة الله تعالى، فإن نوى الرياء صارت معصية،
وأما الفضيلة فبكثرة النيات تكثر الحسنة كمن قعد في المسجد وينوي فيه نيات كثيرة:
أولها: أن يعتقد أنه بيت الله ويقصد به زيارة مولاه كما قال عليه الصلاة والسلام: " من قعد في المسجد فقد زار الله وحق على المزور إكرام زائره ". 
وثانيها: أن ينتظر الصلاة بعد الصلاة فيكون حال الانتظار كمن هو في الصلاة.
وثالثها: إغضاء السمع والبصر وسائر الأعضاء كما لا ينبغي، فإن الاعتكاف كف وهو في معنى الصوم، وهو نوع ترهب، ولذلك
قال عليه الصلاة والسلام: رهبانية أمتي القعود في المساجد .
ورابعها: صرف القلب والسر بالكلية إلى الله تعالى.
وخامسها: إزالة ما سوى الله عن القلب.
وسادسها: أن يقصد إفادة علم أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر.
وسابعها: أن يستفيد أخا في الله فإن ذلك غنيمة أهل الدين.
وثامنها: أن يترك الذنوب حياء من الله فهذا طريق تكثير النيات، وقس به سائر الطاعات.
*******************



تعليقات