الثقلاء . |
روضة العقلاء ونزهة الفضلاء : الفصل السادس :
قال ابو حاتم : حَاجةُ المرءِ إلى الناس مع محبتهم إياه ، خَيْرٌ مِنْ غَناهُ عنهم مع بُغْضِهم إياه .
استحباب التحبب إلى الناس من غير مقارفة المأثم :
قال أَبُو حاتم: الواجب على العاقل أن يتحبب إلى الناس بلزوم حسن الخلق وترك سوء الخلق،
لأن الخلق الحسن يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد ،
وإن الخلق السيء ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل ،
وقد تكون في الرجل أخلاق كثيرة صالحة كلها وخلق سيء فيفسد الخلق السيء الأخلاق الصالحة كلها .
عن ابْنَ عَبَّاسٍ : يَقُولُ إِنَّ الرَّحِمَ تُقْطَعُ وَإِنَّ النِّعَمَ تُكْفَرُ وَلَمْ أَرَ مِثْلَ تَقَارُبِ الْقُلُوبِ
وعن الفضيل بْن عياض يقول: إذا خالطت فخالط حسن الخلق فإنه لا يدعو إلا إلى خير وصاحبه منه في راحة،
ولا تخالط سيء الخلق فإنه لا يدعو إلا إلى شر وصاحبه منه في عناء،
ولأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني قاريء سيء الخلق ،
إن الفاسق إذا كان حسن الخلق عاش بعقله وخف على الناس وأحبوه ،
وإن العابد إذا كان سيء الخلق ثقل على الناس ومقتوه .
وقال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه:
حسن الخلق بذر اكتساب المحبة كما أن سوء الخلق بذر استجلاب البغضة ومن حسن خلقه صان عرضه ومن ساء خلقه هتك عرضه لأن سوء الخلق يورث الضغائن والضغائن إذا تمكنت في القلوب أورثت العداوة والعداوة إذا ظهرت من غير صاحب الدين أهوت صاحبها إلى النار إلا أن يتداركه المولى بتفضل منه وعفو .
عَن الزهري قَالَ وهل ينتفع من السيء الخلق بشيء
وأنشدني عَبْد العزيز بن سليمان الأبراش :
للخير أهل لا تزال ... وجوههم تدعو إليه
طوبى لمن جرت الأمور ... الصالحات على يديه
مالم يضق خلق الفتى ... فالأرض واسعة عَلَيْهِ
التودد الى الناس نصف العقل :
عَن ميمون بْن مهران قَالَ: التودد إلى الناس نصف العقل ، وحُسْن المسألة نصف العلم،
واقتصادك في معيشتك يلقي عنك نصف المؤونه.
قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه :التحبب إلى الناس أسهل مَا يكون وجهاً، وأظهر مَا يكون بِشْراً ، وأخصر مَا يكون أمرا، وأرفق مَا يكون بهيا ،
وأحسن مَا يكون خُلقاً ، وألين مَا يكون كنفاً ، وأوسع مَا يكون يدا ، وأدفع مَا يكون أذى ، وأعظم مَا يكون احتمالا ،
فإذا كان المرء بهذا النعت، لا يحزن من يحبه، ولا يفرح من يحسده ،
لأن من جعل رضاه تبعا لرضا الناس وعاشرهم من حيث هم، استحق الكمال بالسؤدد .
احذر أن تكون من الثقلاء :
قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه حاجة المرء إلى الناس مع محبتهم إياه ،خير من غناه عنهم مع بغضهم إياه،والسبب الداعي إلى صد محبتهم له هو التضايق في الأخلاق وسوء الخلق،
لأن من ضاق خلقه سئمه أهله وجيرانه، واستثقله إخوانه ، فحينئذ تمنوا الخلاص منه ودعوا بالهلاك عَلَيْهِ .
قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الاستثقال من الناس يكون سببه شيئين :
أحدهما ، مقارفة المرء مَا نهى اللَّه عنه من المآثم ـ
لأن من تعدى حرمات اللَّه أبغضه اللَّه ومن أبغضه اللَّه أبغضته الملائكة ثم يوضع له البغض في الأرض فلا يكاد يراه أحد إلا استثقله وأبغضه.
والسبب الآخر : هو استعمال المرء من الخصال مَا يكره الناس منه فإذا كان كذلك استحق الاستثقال منهم
سمعت مُحَمَّد بْن السري البغدادي يقول سمعت أبا بكر المروروذي يقول سألت أحمد بْن حنبل عَن الثقلاء فقال سألت عنهم بشرا الحافي فقال:
النظر إليهم سخنة العين
قلت لأحمد من الثقلاء ؟
قَالَ: أهل البدع .
قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه هذا الذي قَالَ أَحْمَد بْن حنبل رحمة اللَّه عليه هو استثقال الخاص إذا عرف أحدهم من بعض الناس ثلما في السنة أبغضه على بدعته ،
فأما العام فلا يكادون يعادون ويوالون إلا على المحبوب من الخصال والمكروه من الفعال
ألا ترى المقنع الكندي حيث يقول لبعض من صحبه :
" ألا يا مركب المقت الذي أرسى فلا يبرح
ويا من سكرات الموت ... من طلعته أروح
لقد صورت في فكري ... فلا أدري لما تصلح
فلا تصلح أن تُهْجىَ ... ولا تصلح أن تُمْدح
بلى تصلح أن تُقتل أو تُصْلب أو تذبح ... ".
وعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بُكَيْرٍ قَالَ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِذَا اسْتَثْقَلَ جَلِيسًا لَهُ قَالَ :
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلَهُ وَأَرِحْنَا مَنْهُ فِي عَافِيَةٍ .
قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه : الواجب على العاقل مجانبة الخصال التي تورثه استثقال الناس إياه، وملازمة الخصال التي تؤديه إلى محبتهم إياه .
أعظم الوسائل كي يحبك الناس ؟ :
ومن أعظم مَا يتوسل به إلى الناس ويستجلب به محبتهم البذل لهم مما يملك المرء من حطام هذه الدنيا،واحتماله عنهم مَا يكون منهم من الأذى .
فلو أن المرء صحبه طائفتان إحداهما تحبه والأخرى تبغضه ، فأحسنَ الى التي تبغضه ، ثم أَساءَ إلى التي تحبه ،
ثم أصابته نكبة فاحتاج إليهما، لكان أسرعهما الى خذلانه وأبعدها عَن نصرته الطائفة التي كانت تحبه ،
وأسرعهما إلى نصرته وأبعدهما عَن خذلانه الطائفة التي كانت تبغضه لأن الكلب إذا شبع قوي وإذا قوي أمل وإذا أمل تبع المأمول،
وإذا جاع ضعف ،وإذا ضعف أيس، وإذا أيس ولى عَن المتبوع .
قال ابن حبان : فمن عدم المال ،فليبسط وجهه للناس، فإن ذلك يقوم مقام بذل المعروف إذ هو أحد طرفيه .
قَالَ سئل ابن المبارك عَن حسن الخلق فقال :هو بسط الوجه وبذل المعروف .
- عَن مجاهد قَالَ: إذا لقي المسلم أخاه فصافحه وكشر في وجهه تحاتت ذنوبه كما تحات العذق من النخلة.
فقال رجل لمجاهد : يا أبا الحجاج إن هذا من العمل اليسير.
فقال مجاهد : {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ}،
أفيسيرٌ هذا ؟