من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا (حديث باطل )

 

حديث باطل

سلسلة الأحاديث الضعيفة :

حديث : " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا "

لا يصح رفعه الى النبي صلى الله عليه وسلم ،
وانما هو من قول الصحابي عبد الله بن مسعود  .

قال محمد ناصر الألباني :

وهو مع اشتهاره على الألسنة لا يصح من قبل إسناده، ولا من جهة متنه:

أولا : ضعف اسناد حديث " من لم تنهه صلاته"  :

 أما إسناده فقد أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 106 / 2 مخطوطة الظاهرية) والقضاعي في " مسند الشهاب " (43 / 2) وابن أبي حاتم كما في " تفسير ابن كثير " (2 / 414) و" الكواكب الدراري " (83 / 2 / 1) من طريق ليث عن طاووس عن ابن عباس.

وهذا إسناد ضعيف من أجل ليث هذا - وهو ابن أبي سليم - فإنه ضعيف،
 قال الحافظ ابن حجر في ترجمته من " تقريب التهذيب ": صدوق اختلط أخيرا ولم يتميز حديثه فترك.

وبه أعله الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1 / 134) .

وقال شيخه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (1 / 143) : إسناده لين.

حديث موقوف :

قال الألباني : وقد أخرجه الحافظ ابن جرير في تفسيره (20 / 92) من طريق أخرى

عن ابن عباس موقوفا عليه من قوله، ولعله الصواب وإن كان في سنده رجل لم يسم.

ورواه الإمام أحمد في كتاب " الزهد " (ص 159) والطبراني في " المعجم الكبير " عن ابن مسعود موقوفا عليه بلفظ:
" من لم تأمره الصلاة بالمعروف وتنهاه عن المنكر لم يزدد بها إلا بعدا ".

وسنده صحيح كما قال الحافظ العراقي، فرجع الحديث إلى أنه موقوف،
ثم رأيته في معجم ابن الأعرابي قال (193 / 1) ، أنبأنا عبد الله - يعني ابن أيوب المخرمي - أنبأنا يحيى بن أبي بكير عن إسرائيل عن إسماعيل عن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} (العنكبوت: 45) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
...فذكره.

وهذا مرسل، وإسماعيل هو ابن مسلم، فإن كان أبا محمد البصري فهو ثقة، وإن كان أبا إسحاق المكي فهو ضعيف،
 لكن قال الحافظ العراقي: رواه علي بن معبد في كتاب " الطاعة والمعصية " من حديث الحسن مرسلا بإسناد صحيح.

قال الألباني: يعني أن إسناده إلى الحسن صحيح، ولا يلزم منه أن يكون الحديث صحيحا لما عرف من علم " مصطلح الحديث " أن الحديث المرسل من أقسام الحديث الضعيف عند جمهو ر علماء الحديث، ولا سيما إذا كان من مرسل الحسن وهو البصري،

قال ابن سعد في ترجمته: كان عالما جامعا رفيعا ثقة ، ما أرسله فليس بحجة.

وحتى إنه لوفرض أن الحسن وصل الحديث وأسنده ولم يصرح بالتحديث أو بسماعه من الذي أسنده إليه كما لوقال: عن سمرة أو عن أبي هريرة لم يكن حديثه حجة، فكيف لو أرسله كما في هذا الحديث؟ !
 قال الحافظ الذهبي في " ميزان الاعتدال ": كان الحسن كثير التدليس، فإذا قال في حديث: عن فلان، ضعف احتجاجه ولا سيما عمن قيل: إنه لم يسمع منهم كأبي هريرة ونحوه، فَعدّوا ما كان له عن أبي هريرة في جملة المنقطع.

على أنه قد ورد الحديث عن الحسن من قوله أيضا لم ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كذلك أخرجه الإمام أحمد في " الزهد " (ص 264) وإسناده صحيح، وكذلك رواه ابن جرير (20 / 92) من طرق عنه وهو الصواب.

ثم وجدت الحديث في " مسند الشهاب " (43 / 2) من طريق مقدام بن داود قال: أنبأنا علي بن محمد بن معبد بسنده المشار إليه آنفا عن الحسن مرفوعا، ومقدام هذا قال النسائي: ليس بثقة، فإن كان رواه غيره عن علي بن معبد وكان ثقة فالسند صحيح مرسلا كما سبق عن العراقي وإلا فلا يصح.

حكم الحديث :

وجملة القول أن الحديث لا يصح إسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما صح من قول ابن مسعود والحسن البصري، وروي عن ابن عباس،

 ولهذا لم يذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في " كتاب الإيمان " (ص 12) إلا موقوفا على ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما.

وقال ابن عروة في " الكواكب ": إنه الأصح.

ثانيا : ضعف متن الحديث :

قلت. روي البيهقي في شعب الايمان :
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الزَّاهِدُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ: أَرَى أَبَا صَالِحٍ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ،
إِنَّ فُلَانًا يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَإِذَا أَصْبَحَ سَرَقَ.
 فقَالَ: " سَيَنْهاهُ مَا يَقُولُ "

وقال الألباني : رواه أحمد والبزار والطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 430) والبغوي في حديث علي بن الجعد (9 / 97 / 1) وأبو بكر الكلاباذي في " مفتاح معاني الآثار " (31 / 1 / 69 / 1) بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة.

وقال  : فأنت ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن هذا الرجل سينتهي عن السرقة بسبب صلاته - إذا كانت على الوجه الأكمل طبعا كالخشوع فيها والتدبر في قراءتها - ولم يقل: إنه " لا يزداد بها إلا بعدا " مع أنه لما ينته عن السرقة.

ولذلك قال عبد الحق الإشبيلي في " التهجد " (ق 24 / 1) : يريد عليه السلام أن المصلي على الحقيقة المحافظ على صلاته الملازم لها تنهاه صلاته عن ارتكاب المحارم والوقوع في المحارم.

فثبت بما تقدم ضعف الحديث سندا ومتنا والله أعلم.

الصلاة مكفرة للذنوب، فكيف تكون مكفرة ويزداد بها بعدا ؟

قال الألباني : ثم رأيت الشيخ أحمد بن محمد عز الدين بن عبد السلام نقل أثر ابن عباس هذا في كتابه " النصيحة بما أبدته القريحة " (ق 32 / 1) عن تفسير الجاربردي وقال: ومثل هذا ينبغي أن يحمل على التهديد لما تقرر أن ذلك ليس من الأركان والشرائط ثم استدل على ذلك بالحديث المتقدم: " ستمنعه صلاته "

واستصوب الشيخ ابن عبد السلام " كلام الجاربردي هذا " وقال: لا يصح حمله على ظاهره، لأن ظاهره معارض بما ثبت في الأحاديث الصحيحة المتقدمة من أن الصلاة مكفرة للذنوب، فكيف تكون مكفرة ويزداد بها بعدا ؟ ! هذا مما لا يعقل!
ثم قال: قال الألباني : وحمل الحديث على المبالغة والتهديد ممكن على اعتبار أنه موقوف على ابن عباس أو غيره ،
وأما على اعتباره من كلامه صلى الله عليه وسلم فهو بعيد عندي والله أعلم.

قول الله تعالى " إن الحسنات يذهبن السيئات " :

قال الألباني: ويشهد لذلك-أي كلام ابن عبد السلام- ما ثبت في البخاري أن رجلا أصاب من امرأة قُبْلة فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى {إن الحسنات يذهبن السيئات} .

قلت : الآية بكاملها قال تعالى " وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ" هود 114 .

قال القرطبي في تفسيره : قوله تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات) ذهب جمهور المتأولين من الصحابة والتابعين  إلى أن الحسنات هاهنا هي الصلوات الخمس ، وقال : سبب النزول يعضد قول الجمهور، نزلت في رجل من الأنصار، قيل: هو أبو اليسر بن عمرو. وقيل: اسمه عباد، خلا بامرأة فقبلها وتلذذ بها فيما دون الفرج، روى الترمذي عن عبد الله قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:: إني عالجت امرأة في أقصى المدينة وإني أصبت منها ما دون أن أمسها وأنا هذا فاقض في ما شئت. فقال له عمر: لقد سترك الله! لو سترت على نفسك، فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ،
فانطلق الرجل فأتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فدعاه، فتلا عليه:" أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين" إلى آخر الآية،
فقال رجل من القوم: هذا له خاصة؟

قال:" بل للناس كافة". قال الترمذي: حديث حسن صحيح

وقال ابن كثير : وقوله: إن الحسنات يذهبن السيئات يقول إن فعل الخيرات يكفر الذنوب السالفة . وفي الصحيحين عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان أنه توضأ لهم كوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وقال: «من توضأ وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه»  .

 قول ابن تيمية في الحديث : الذي يصلي خير من الذي لايصلي وان كان فاسقا :

ثم رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية قال في بعض فتاواه: هذا الحديث ليس بثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر كما ذكر الله في كتابه، وبكل حال فالصلاة لا تزيد صاحبها بعدا، بل الذي يصلي خير من الذي لا يصلي وأقرب إلى الله منه وإن كان فاسقا.

قلت: فكأنه يشير إلى تضعيف الحديث من حيث معناه أيضا وهو الحق وكلامه المذكور رأيته في مخطوط محفوظ في الظاهرية (فقه حنبلى 3 / 12 / 1 - 2) وقد نقل الذهبي في " الميزان " (3 / 293) عن ابن الجنيد أنه قال في هذا الحديث: كذب وزور

فائدة و خاتمة :

قلت : معنى الحديث هذا هو من تلبيس ابليس ، قد يثبط المصلين عن صلاتهم ، ويمنع المذنبين عن توبتهم ،
فالصواب أن لا ينفك المصلي أبدا عن صلاته أو عمل الأعمال الصالحة مهما وقع منه المعاصي ، فعسى الله أن يتوب عليه بسبب هذه الأعمال ،
ويتوقف عن عمله السيء .


 


تعليقات