كتاب صفة الجنة ونعيمها

الجنة




 وصف الجنة ونعيمها 

اعلموا أيها الناس والاخوة الكرام ،
أن ماجاء من وصف الجنة في الكتاب والسنّة انما هو من قبيل المثل والأمثال وليس هو حقيقة الجنة ونعيمها ،
حيث روي في الخبر:  أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، مصداق ذلك في كتاب الله: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} 

أول نعيم الجنة وأفضلها هو حال أصحاب الجنّة :

  وبدونه تكون الجنّة غير ذي قيمة ولا يعبأ بها ،
فماذا يكون الأمر حين يسكن المرء القصور في الدنيا وله جنات من نخيل وأعناب ، وزوجات وأبناء ، لكنه مريض مثلا ؟ ،
أو قد أصابه الكَبَرُ وهو شيخ عجوز لا يستطيع الحراك أو التمتع بالبهائج واللذات ؟

صفة أهل الجنة :

1- النضرة والسرور والطهارة صفات أهل الجنة :

قال الله (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) وقال (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا )
وعن النبي صلى الله عليه وسلم : لا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يتفلون، ورشحهم المسك  ومجامرهم الألوة ".
ش (ورشحهم المسك) أي عرقهم (الألوة) في النهاية الألوة هو العود الذي يتبخر به العود الهندي 
وقال تعالى في كتابه " وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ " .
عن ابن عباس: مطهرة من القذر والأذى، وقال مجاهد: من الحيض والغائط والبول والنخام والبزاق والمني والولد،
وقال قتادة: مطهرة من الأذى والمأثم . 
 

2- أهل الجنة أصحاء أبدا لا يصيبهم الأمراض والأوجاع :

قال الله (لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ ) ـ
وقال ( لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ )
والنصب: التعب. واللغوب: الإعياء.
وقال تعالى : {لا غول فيها } [الصافات: 47]: وجع البطن، وقيل المراد بالغول هاهنا صداع الرأس.
"ولا هم عنها ينزفون"، قال مجاهد لا تذهب عقولهم.
وعن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ينادي مناد: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا " فذلك قوله عز وجل: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} [الأعراف: 43]

3- أهل الجنة لا يحزنون :

قال الله (وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن) وقال (وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
قيل : الحزن من التعب الذي كانوا فيه في الدنيا. وقيل : خوف دخول النار من الحزن، والجَزَع من الموت من الحزن، والجزع من الحاجة إلى المطعم من الحزن.


4- وجوه أهل الجنة بيضاء ، لهم نور:

قال الله (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ) وقال (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ )
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أشد كوكب دري عن أبي هريرة قال في السماء إضاءة " .

5- الخلود والشباب :

قال الله (أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
( وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )
وقال ( وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ )
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " وإن لكم أن تشبّوا فلا تهرموا أبدا " .
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "من يدخل الجنة ينعم لا يبأس، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه "
وفي رواية : "إن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا"، أي لا يصيبكم بأس وهو شدة الحال والبأس والبؤس والبأساء والبؤساء بمعنى

6- قلوب أهل الجنة نقية :

قال الله (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ )
وفي الحديث الصحيح : لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشيا .
وفي رواية : يلهمون التسبيح والتحميد، كما تلهمون النفس .

7- زوّار أهل الجنة وضيوفهم :

الملائكة هم زوار أصحاب الجنة ونِعْم الزائرين
قال الله (وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ )

8- جنات عدن :

عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، مصداق ذلك في كتاب الله: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} [السجدة: 17] ".رواه مسلم .

وعن ابن عباس أنها دار الله التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر.
حاصل الكلام أن في جنات عدن قولان: أحدهما: أنه اسم علم لموضع معين في الجنة، وهذه الأخبار والآثار التي نقلناها تقوي هذا القول. قال صاحب «الكشاف» : وعدن علم بدليل قوله: جنات عدن التي وعد الرحمن [مريم: 61] .
وقيل: "عدن" هي مدينة الجنة .

والقول الثاني: أنه صفة للجنة،
 قال الأزهري: العدن مأخوذ من قولك عدن فلان بالمكان إذا أقام به، يعدن عدونا. والعرب تقول: تركت إبل بني فلان عوادن بمكان كذا، وهو أن تلزم الإبل المكان فتألفه ولا تبرحه، ومنه المعدن وهو المكان الذي تخلق الجواهر فيه ومنبعها منه، 
والقائلون بهذا الاشتقاق قالوا: الجنات كلها جنات عدن.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  " جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن " . 
 و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا في السماء! للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم لا يرى بعضهم بعضا»

9- تراب الجنة :

عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قلت يا رسول الله حدثني عن الجنة ما بناؤها فقال:  " لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها المسك الأذفر وترابها الزعفران وحصاؤها الدر والياقوت " . 

10- طعام أهل الجنّة وأنهم لا يقتاتون  :

قال العلماء : أهل الجنة مستغنون عن حفظ الصحة بالأقوات فإنهم أجسام محكمة مخلوقة للأبد، فكل ما يأكلونه ويشربونه فهو على سبيل التلذذ من لحم طير وفواكه وشراب

11- فواكه أهل الجنة : 

قال الله (أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ) (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) و(وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ) و (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) ( وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ)
و(فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ) و(فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) ، و(وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ )، و( أُكُلُهَا دَائِمٌ )،

قال الله عز وجل {وجنى الجنتين دان} [الرحمن: 54]: ما يجتنى قريب،قال ابن عباس: تدنو الشجرة حتى يجتنيها ولي الله إن شاء قائما وإن شاء قاعدا وإن شاء مضطجعا، لا يرد يده بعد ولا شوك.
قال الرازي : قوله تعالى: (وجنى الجنتين دان ) فيه إشارة إلى مخالفتها لجنة دار الدنيا من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الثمرة في الدنيا على رءوس الشجرة والإنسان عند الاتكاء يبعد عن رءوسها وفي الآخرة هو متكئ والثمرة تنزل إليه
ثانيها: في الدنيا من قرب من ثمرة شجرة بعد عن الأخرى وفي الآخرة كلها دان في وقت واحد ومكان واحد، وفي الآخرة المستقر في جنة عنده جنة أخرى .
ثالثها: أن العجائب كلها من خواص الجنة فكان أشجارها دائرة عليهم ساترة إليهم وهم ساكنون على خلاف ما كان في الدنيا وجناتها وفي الدنيا الإنسان متحرك ومطلوبه ساكن،
وفيه الحقيقة وهي أن من لم يكسل ولم يتقاعد عن عبادة الله تعالى، وسعى في الدنيا في الخيرات انتهى أمره إلى سكون لا يحوجه شيء إلى حركة،
فأهل الجنة إن تحركوا تحركوا لا لحاجة وطلب، وإن سكنوا سكنوا لا لاستراحة بعد التعب،
ثم إن الولي قد تصير له الدنيا أنموذجا من الجنة، فإنه يكون ساكنا في بيته ويأتيه الرزق متحركا إليه دائرا حواليه، يدلك عليه قوله تعالى: كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا [آل عمران: 37] .

12- شراب أهل الجنة :

قال الله (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا) و( يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ) و(يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ)، و(وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ)
و(وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا . قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا . وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا .عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا)
قال فخر الدين الرازي :
اختلفت أقوال المفسرين في قوله (رزق معلوم ) :
فقيل معناه إن ذلك الرزق معلوم الوقت وهو مقدار غدوة وعشية وإن لم يكن ثمة لا بكرة ولا عشية، قال تعالى: ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا [مريم: 62] ، وقيل معناه أن ذلك الرزق معلوم الصفة لكونه مخصوصا بخصائص خلقها الله فيه من طيب طعم ورائحة ولذة وحسن منظر،
وقيل معناه أنهم يتيقنون دوامه لا كرزق الدنيا الذي لا يعلم متى يحصل ولا متى ينقطع،
وقيل معناه: القدر الذي يستحقونه بأعمالهم من ثواب الله وكرامته عليهم، وقد بين الله تعالى أنه يعطيهم غير ذلك على سبيل التفضل،
ثم لما ذكر تعالى أن لهم رزقا بين أن ذلك الرزق ما هو فقال ( فواكه) وفيه قولان،
الأول: أن الفاكهة عبارة عما يؤكل لأجل التلذذ لا لأجل الحاجة، وأرزاق أهل الجنة كلها فواكه لأنهم مستغنون عن حفظ الصحة بالأقوات فإنهم أجسام محكمة مخلوقة للأبد، فكل ما يأكلونه فهو على سبيل التلذذ ،
والثاني: أن المقصود من ذكر الفاكهة التنبيه بالأدنى على الأعلى، يعني لما كانت الفاكهة حاضرة أبدا كان الأدام أولى بالحضور،
والقول الأول أقرب إلى التحقيق،
واعلم أنه تعالى لما ذكر الأكل بين أن ذلك الأكل حاصل مع الإكرام والتعظيم فقال ( وهم مكرمون ) لأن الأكل الخالي عن التعظيم يليق بالبهائم.
تفسير (سلسبيلا) سميت بذلك سلسة في الإساغة والمذاق.
{ومزاجه من تنسيم} / المطففين 27 /. أي يخلط بشراب يعلوه يسمى التنسيم وهو أرفع شراب في الجنة. والتنسيم مصدر سنم إذا رفع ومنه سنام البعير لأنه أعلاه.

13- أنهار الجنّة :

قال الله ( فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ ، وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ ، وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ، وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى)
وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ .(سورة محمد )
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ : تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَظِلُّهَا .(سورة الرعد)

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (العنكبوت )
لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ (الزمر )

14- فرش الجنة :

قال تعالى (عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ )و (فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) 
(مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ)
قوله تعالى (متكئين ) حال، وهذا فيه معنى لطيف،
وذلك لأن الأكل إن كان ذليلا كالخول والخدم والعبيد والغلمان، فإنه يأكل قائما،
وإن كان عزيزا فإن كان يأكل لدفع الجوع يأكل قاعدا ،
ولا يأكل متكئا إلا عزيز متفكه ليس عنده جوع يقعده للأكل، ولا هنالك من يحسمه .
قال المفسرون: أي إذا كانت البطانة التي تلي الأرض هكذا فما ظنك بالظهارة، قاله ابن مسعود وأبو هريرة. وقيل لسعيد بن جبير: البطائن من إستبرق فما الظواهر؟ قال: هذا مما قال الله: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين)،
وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ظواهرها نور يتلألأ) .
وقال تعالى ( وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ . وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ)

15- ظلال الجنة :

قال تعالى (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ) و(هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ )
وقال{ذواتا أفنان} [الرحمن: 48]: أغصان
عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:  " إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة لا يقطعها  "
وفي رواية " الراكب الجواد المضمر السريع"
وزاد في رواية البخاري : واقرءوا إن شئتم {وظل ممدود} [الواقعة: 30]

 16- حِلْيَة أهل الجنة :

قال الله (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) و (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ)
قلت.وأين هذا من لباس أهل النار والعياذ بالله ؟ قال تعالى " سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ" و" فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ" .
قالوا : وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَّا وَفِي يَدِهِ ثَلَاثَةُ أَسْوِرَةٍ: سِوَارٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَسِوَارٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَسِوَارٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ) .

17- آنية أهل الجنة :

من ذهب وفضة .
قال الله ( يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ) و( وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ)
الصَّحْفَةُ كَالْقَصْعَةِ وَالْجَمْعُ صِحَافٌ.

18- المساكن والقصور والغرف والخيام :

قال تعالى ( ومساكن طيبة في جنات عدن )

قال الحسن: سألت عمران بن الحصين وأبا هريرة عن قوله: ومساكن طيبة فقالا: على الخبير سقطت، سألنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم:
«هو قصر في الجنة من اللؤلؤ، فيه سبعون دارا من ياقوتة حمراء، في كل دار سبعون بيتا من زمردة خضراء، في كل بيت سبعون سريرا، على كل سرير سبعون فراشا، على كل فراش زوجة من الحور العين، في كل بيت سبعون مائدة، على كل مائدة سبعون لونا من الطعام، وفي كل بيت سبعون وصيفة، يعطى المؤمن من القوة في غداة واحدة ما يأتي على ذلك أجمع»

قال عبد الله بن عمرو: إن في الجنة قصرا يقال له عدن، حوله البروج وله خمسة آلاف باب على كل باب خمسة آلاف حرة، لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد،
قال تعالى : ( لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ ) وقال (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ )
عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة، طولها ستون ميلا، للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا» 

وعنه : في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة، عرضها ستون ميلا، في كل زاوية منها أهل، ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن» 

19- خدم أهل الجنة :

قوله تعالى: (يطوف عليهم ولدان مخلدون) أي غلمان لا يموتون، قاله مجاهد. الحسن والكلبي: لا يهرمون ولا يتغيرون،

20- الحور العين :

قال تعالى : (كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ) (كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ) و(فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ . حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ . لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ) (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ )(كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ) و(كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ).

و (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً . فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا . عُرُبًا أَتْرَابًا )
أَيْ خَلَقْنَاهُنَّ مِنْ غَيْرِ وِلَادَةٍ. والْعُرُبُ :الْمُتَحَبِّبَاتُ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ أَعْرَبَ إِذَا بَيَّنَ، فَالْعَرُوبُ تُبَيِّنُ مَحَبَّتَهَا لِزَوْجِهَا بِشَكْلٍ وَغُنْجٍ وَحُسْنِ كَلَامٍ.
وَقِيلَ: إِنَّهَا الْحَسَنَةُ التَّبَعُّلِ لِتَكُونَ أَلَذَّ اسْتِمْتَاعًا.
وفي الحديث : لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم .
(أَتْراباً) عَلَى مِيلَادٍ وَاحِدٍ فِي الِاسْتِوَاءِ وَسِنٍّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثٌ وَثَلَاثِينَ سَنَةً. يُقَالُ فِي النِّسَاءِ أَتْرَابٌ وَفِي الرِّجَالِ أَقْرَانٌ. وَقِيلَ: (أَتْراباً) أَمْثَالًا وَأَشْكَالًا.
وقيل: أَتْرَابٌ فِي الْأَخْلَاقِ لا تباغض بينهن ولا تحاسد.
" قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ " وهن النساء اللواتي قصرن أبصارهن وقلوبهن على بعولتهن، لا يردن غيرهم، ولا يمددن أبصارهن إلى غيرهم.
(حُور) جمع حوراء وهي التي يكون بياض عينها شديد البياض، وسواده شديد السواد، واستدارت حدقتُها، ورقَّت جفونُها.
(عِينٌ) يعني بالعين: النُّجْلَ العيون عِظامها، وهي جمع عيناء، والعيناء: المرأة الواسعة العين عظيمتها، وهي أحسن ما تكون من العيون.

21- مجالس أهل الجنة :

قال تعالى ( عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ ) و(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ) و(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ)

22- هل في الجنة أسواق ؟ :

عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسنا وجمالا فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنا فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا.

قال النووي في شرح مسلم :وسمي سوقا لقيام الناس فيها على ساق، وقيل: لسوق الناس بضائعهم إليها، فيحتمل أن يكون سوق الجنة عبارة عن مجتمع أهل الجنة، ومحل تزاورهم، وسمي سوقا بالمعنى الأول، ويؤيد هذا أن أهل الجنة لا يفقدون شيئا حتى يحتاجوا إلى شرائه من السوق، ويحتمل أن يكون سوقا مشتملا على محاسن مشتهيات مستلذات، تجمع هنالك مرتبة محسنة، كما تجمع في الأسواق، حتى إذا جاء أهل الجنة فرأوها، فمن اشتهى شيئا وصل إليه من غير مبايعة ولا معاوضة، ونعيم الجنة وخيرها أعظم وأوسع من ذلك كله، وخص يوم الجمعة بذلك لفضيلته، ولما خصه الله تعالى به من الأمور التي تقدَّم ذكرها، ولأنه يوم المزيد؛ أي اليوم الذي يوفى لهم ما وعدوا به من الزيادة. وأيام الجنة تقديرية؛ إذ لا ليل هناك ولا نهار، وإنما هناك أنوار متوالية لا ظلمة معها، ومعنى يأتونها كل جمعة أي في مقدار كل جمعة أي أسبوع وليس هناك حقيقة أسبوع لفقد الشمس والليل والنهار.

23- درجات الجنّة :

قال تعالى ( وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا  دَرَجَاتٍ مِنْهُ ) وقال (أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ )
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي الجَنَّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مِائَةُ عَامٍ.
قال الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
عن سهل بن سعد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إن أهل الجنة ليتراءون الغرفة في الجنة كما تراءون الكوكب في السماء 
وعن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم» 
قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، 
قال «بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين» 

24- ورضوان من الله :

بعد الرزق المعلوم والنعيم يرزقهم الله بالختام العظيم وهو رضاه عن أهل الجنة ، يقول
(لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ)
و (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
عن أبي سعيد الخدري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( " إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك
 فيقول: هل رضيتم؟ 
فيقولون: وما لنا لا نرضى؟ يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك، 
فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ 
فيقولون: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ 
فيقول: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدا ").
قلت : الرضوان يعني الحب والقبول ، وهذا أعظم فضل ونعمة .
قيل : من المواعيد التي ذكرها الله تعالى في هذه الآية قوله: "ورضوان من الله أكبر" والمعنى أن رضوان الله أكبر من كل ما سلف ذكره، 
وذلك لأنه إما أن يكون الابتهاج بكون مولاه راضيا عنه، 
وأن يتوسل بذلك الرضا إلى شيء من اللذات الجسمانية أو ليس الأمر كذلك، بل علمه بكونه راضيا عنه يوجب الابتهاج والسعادة لذاته من غير أن يتوسل به إلى مطلوب آخر، 
والأول باطل، لأن ما كان وسيلة إلى الشيء لا يكون أعلى حالا من ذلك المقصود، فلو كان المقصود من رضوان الله أن يتوسل به إلى اللذات التي أعدها الله في الجنة من الأكل والشرب لكان الابتهاج بالرضوان ابتهاجا بحصول الوسيلة. ولكان الابتهاج بتلك اللذات ابتهاجا بالمقصود، وقد ذكرنا أن الابتهاج بالوسيلة لا بد وأن يكون أقل حالا من الابتهاج بالمقصود. فوجب أن يكون رضوان الله أقل حالا وأدون مرتبة من الفوز بالجنات والمساكن الطيبة، لكن الأمر ليس كذلك، لأنه تعالى نص على أن الفوز بالرضوان أعلى وأعظم وأجل وأكبر، وذلك دليل قاطع على أن السعادات الروحانية أكمل وأشرف من السعادات الجسمانية. 
...
يارب كرمك وعفوك .




تعليقات