روضة العقلاء (صفة الكريم واللئيم )

الكريم

 



روضة العقلاء ونزهة الفضلاء :

10- ذكر صفات الكرم واللؤم : 

الكرم :

وهو طباع ركبها اللَّه في بني آدم ، فمن الناس من يكون أكرم من أبيه ،وربما كان الأب أكرم من ابنه ،وربما كان المملوك أكرم من مولاه ورب مولى أكرم من مملوكه.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :قِيلَ يا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ ؟
قَالَ: أَكْرَمُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ
قَالُوا : لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ.
قَالَ : فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونَنِي؟
قَالُوا نَعَمْ .
قَالَ: " خِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإِسْلامِ إِذَا فَقِهُوا " .

قال أَبُو حاتم البستي  :

أكرم الناس من اتقى اللَّه والكريم التقي والتقوى هي العزم على إتيان المأمورات والانزجار عَن جميع المزجورات فمن صح عزمه على هاتين الخصلتين فهو التقي الذي يستحق اسم الكرم ومن ترى عن استعمالها أو أحدهما أو شعبة من شعبهما فقد نقص من كرمه مثله

قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ثَلاثُ خِصَالٍ لا تَجْتَمِعُ إِلا فِي كَرِيمٍ حُسْنُ الْمَحْضَرِ وَاحْتِمَالُ الزَّلَّةِ وَقِلَّةُ الْمَلالَةِ
وأنشدني ابن زنجي البغدادي:
رأيت الحق يعرفه الكريم ... لصاحبه وينكره اللئيم
إذا كان الفتى حسنا كريما ... فكل فعاله حسن كريم
إذا ألفيته سمجا لئيما ... فكل فعاله سمج لئيم .
..

صفات الكريم :

قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه : الكريم لا يكون حقودا ولا حسودا ولا شامتا ولا باغيا ولا ساهيا ولا لاهيا ولا فاجرا ولا فخورا ولا كاذبا ولا ملولا ولا يقطع إلفه ولا يؤذي إخوانه ولا يضيع الحفاظ ولا يجفو في الوداد يعطي من لا يرجو ويؤمن من لا يخاف ويعفو عَن قدرة ويصل عَن قطيعة .
احياء الكرم :
عَن إِبْرَاهِيم بْن شكلة قَالَ إن لكل شيء حياة وموتا وإن مما يَحْيَى الكرم مواصلة الكرماء وإن مما يحيى اللؤم معاشرة اللئام.

صفة اللئيم :

وأنشدني الكريزي :
وما بال قوم لئام ليس عندهم ... عهد وليس لهم دين إذا ائتمنوا
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا ... منا وما سمعوا من صالح دفنوا
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به ... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنو

قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه :الكريم يلين إذا استعطف واللئيم يقسو إذا ألطف.
والكريم يجل الكرام ولا يهين اللئام ولا يؤذي العاقل ولا يمازح الأحمق ولا يعاشر الفاجر مؤثرا إخوانه على نفسه باذلا لهم مَا ملك إذا اطلع على رغبة من أخ لم يدع مكافأتها وإذا عرف منه مودة لم ينظر في قلق العداوة وإذا أعطاه من نفسه الإخاء لم يقطعه بشيء من الأشياء

قَالَ الشعبي: إن كرام الناس أسرعهم مودة وأبطؤهم عداوة مثل الكوب من الفضة يبطيء الانكسار ويسرع الانجبار وإن لئام الناس أبطؤهم مودة وأسرعهم عداوة مثل الكوب من الفخار يسرع الإنكسار ويبطيء الانجبار

قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه : الكريم من أعطاه شكره ومن منعه عذره ومن قطعه وصله ومن وصله فضله ومن سأله أعطاه ومن لم يسأله ابتدأه وإذا استضعف أحدا رحمه وإذا استضعفه أحد رأى الموت أكرم له منه واللئيم بضد مَا وصفنا من الخصال كلها

قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الكريم محمود الأثر في الدنيا مرضى العمل في العقبى يحبه القريب والقاصي ويألفه المتسخط والراضي يفارقه الأعداء واللئام ويصحبه العقلاء والكرام .

قول النبي صلى الله عليه وسلم "الكَرِيمُ، ابْنُ الكَرِيمِ، ابْنِ الكَرِيمِ، ابْنِ الكَرِيمِ :يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ

قال الحافظ ابن حجر : الكريم أي الذي جمع كثرة الخير قوله كرائم أموالهم أي نفائسها.
قلت : يوسف الكريم الذي لم يخن الذي أحسن اليه ، ولم ينس دعوة الله في سجنه ، ولم يتعاطى اجرا في تفسير احلام صاحبيه في السجن،
ولم يبخل أو يغضب أو يكتم تفسير حلم الملك وهو في محبسه وزنزانته ولم يطلب أن يخرجوه من السجن قبل ،
ثم الكريم الذي عفا عن اخوته بل استقدمهم اليه وآواهم في مصر ،
ثم جده ابراهيم عليه السلام حين جاءه الضيف يقول الله تعالى " هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ) .

الكرم في لسان العرب :

الكَريم: مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ وأَسمائه، وَهُوَ الْكَثِيرُ الْخَيْرِ، الجَوادُ المُعطِي الَّذِي لَا يَنْفَدُ عَطاؤه، وَهُوَ الْكَرِيمُ الْمُطْلَقُ.
والكَرِيم: الْجَامِعُ لأَنواع الْخَيْرِ والشرَف وَالْفَضَائِلِ.وهو اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحْمَد، فَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَرِيمٌ حَمِيدُ الفِعال وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ الْعَظِيمِ.
قال ابْنُ سِيدَهْ: الكَرَم نَقِيضُ اللُّؤْم يَكُونُ فِي الرَّجُلِ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ آبَاءٌ،
وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْلِ والإِبل وَالشَّجَرِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْجَوَاهِرِ إِذَا عَنَوُا العِتْق، وأَصله فِي النَّاسِ
قَالَ ابْنُ الأَعرابي: كَرَمُ الفرَس أَنْ يَرِقَّ جِلْدُهُ ويَلِين شَعْرُهُ وتَطِيب رَائِحَتُهُ.

قلت قال الله تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً )

قوله (كَرَّمْنا ) تَضْعِيفُ كَرَمَ، أَيْ جَعَلْنَا لَهُمْ كَرَمًا أَيْ شَرَفًا وَفَضْلًا. وَهَذَا هُوَ كَرَمُ نَفْيِ النُّقْصَانِ لَا كَرَمَ الْمَالِ.
وَهَذِهِ الْكَرَامَةُ يَدْخُلُ فِيهَا خَلْقُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ فِي امْتِدَادِ الْقَامَةِ وَحُسْنِ الصُّورَةِ، وَحَمْلُهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ مِمَّا لَا يَصِحُّ لِحَيَوَانٍ سِوَى بَنِي آدَمَ أَنْ يَكُونَ يَتَحَمَّلُ بِإِرَادَتِهِ وَقَصْدِهِ وَتَدْبِيرِهِ. وَتَخْصِيصِهِمْ بِمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَلَابِسِ، وَهَذَا لَا يَتَّسِعُ فِيهِ حَيَوَانٌ اتِّسَاعَ بَنِي آدَمَ، لِأَنَّهُمْ يَكْسِبُونَ الْمَالَ خَاصَّةً دُونَ الْحَيَوَانِ، وَيَلْبَسُونَ الثِّيَابَ وَيَأْكُلُونَ الْمُرَكَّبَاتِ مِنَ الْأَطْعِمَةِ. وَغَايَةُ كُلِّ حَيَوَانٍ يَأْكُلُ لَحْمًا نيئا أو طعاما غير مُرَكَّبٍ.
وَحَكَى الطَّبَرِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّ التَّفْضِيلَ هُوَ أَنْ يَأْكُلَ بِيَدِهِ وَسَائِرُ الْحَيَوَانِ بِالْفَمِ.
وقال : بِتَسْلِيطِهِمْ عَلَى سَائِرِ الْخَلْقِ، وَتَسْخِيرِ سَائِرِ الْخَلْقِ لَهُمْ.
وَقِيلَ: أَكْرَمَ الرِّجَالَ بِاللِّحَى وَالنِّسَاءَ بِالذَّوَائِبِ.
...


تعليقات