تأملات ( إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ )

علوم القرآن




الفقه في الدين نعمة من رب العالمين :


تعريف الفقه في لسان العرب :

الفِقْهُ : الْعِلْمُ بِالشَّيْءِ والفهمُ لَهُ ،
وغلبَ عَلَى عِلْم الدِّينِ لسِيادَتِه وَشَرَفِهِ وفَضْلِه عَلَى سَائِرِ أَنواع الْعِلْمِ ؛ 
قَالَ ابْنُ الأَثير: واشْتِقاقهُ مِنَ الشَّقِّ والفَتْح، 
وَقَدْ جَعَله العُرْفُ خَاصًّا بِعِلْمِ الشَّرِيعَةِ، شَرَّفَها اللَّهُ تَعَالَى، وتَخْصيصاً بِعِلْمِ الْفُرُوعِ مِنْهَا.
 قَالَ غَيْرُهُ: والفِقْهُ فِي الأَصل الفَهْم. يُقَالُ: أُوتِيَ فلانٌ فِقْهاً فِي الدِّينِ أَي فَهْماً فِيهِ.
 قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: " لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ " .
؛ أَي ليَكونوا عُلَماء بِهِ، وفَقَّهَه اللهُ؛
وفَقِه فِقْهاً: بِمَعْنَى عَلِم عِلْماً.
ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ فَقُه فَقاهَةً وَهُوَ فَقِيهٌ مِنْ قَوْمٍ فُقَهاءَ، والأُنثى فَقِيهة مِنْ نِسْوةٍ فقائِهَ.
وَرَجُلٌ فَقيهٌ: عالمٌ. وَكُلُّ عَالِمٍ بِشَيْءٍ فَهُوَ فَقيهٌ.

وَفِي حَدِيثِ سَلْمان: أَنه نَزَلَ عَلَى نَبَطِيَّةٍ بِالْعِرَاقِ ، فَقَالَ لَهَا: هَلْ هُنَا مكانٌ نَظيف أُصَلي فِيهِ؟
فَقَالَتْ: طَهِّرْ قَلْبَك وصَلِّ حَيْثُ شِئْتَ،
فَقَالَ سَلْمَانُ: فَقِهَتْ،
أَي فَهِمَتْ وفَطِنَتْ للحقِّ والمَعْنى الَّذِي أَرادَتْ.

قال الغزالي في المستصفى : وَالْفِقْهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْعِلْمِ وَالْفَهْمِ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ، يُقَالُ فُلَانٌ يَفْقَهُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ أَيْ يَعْلَمُهُ وَيَفْهَمُهُ،
وَلَكِنْ صَارَ بِعُرْفِ الْعُلَمَاءِ عِبَارَةً عَنْ الْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الثَّابِتَةِ لِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ خَاصَّةً، حَتَّى لَا يُطْلَقَ بِحُكْمِ الْعَادَةِ اسْمُ الْفَقِيهِ عَلَى مُتَكَلِّمٍ وَفَلْسَفِيٍّ وَنَحْوِيٍّ وَمُحَدِّثٍ وَمُفَسِّرٍ بَلْ يَخْتَصُّ بِالْعُلَمَاءِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الثَّابِتَةِ لِلْأَفْعَالِ الْإِنْسَانِيَّةِ كَالْوُجُوبِ وَالْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ وَكَوْنِ الْعَقْدِ صَحِيحًا وَفَاسِدًا وَبَاطِلًا وَكَوْنِ الْعِبَادَةِ قَضَاءً وَأَدَاءً وَأَمْثَالِهِ.

قلت قال تعالى (فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ) النساء
قال تعالى (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا) الكهف 93

فقه القرآن، كتاب الله :

وقال (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا) الانعام 25
وقال (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا . وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا) الاسراء 25-46
قال القاضي أبو محمد: والفقه في اللغة الفهم، وأوقفته الشريعة على الفهم في الدين وأموره، وغلب عليه بعد الاستعمال في علم المسائل الأحكامية.

 تأويل قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا}

قال أبو جعفر الطبري : يقول تعالى ذكره: ومن هؤلاء العادلين بربِّهم الأوثانَ والأصنامَ من قومك، يا محمد،"من يستمع إليك"، يقول: من يستمع القرآن منك، ويستمع ما تدعوه إليه من توحيد ربك، وأمره ونهيه، ولا يفقه ما تقول ولا يُوعِيه قلبَه، ولا يتدبره، ولا يصغي له سمعه، ليتفقهه فيفهم حجج الله عليه في تنزيله الذي أنزله عليك، إنما يسمع صوتك وقراءَتك وكلامك، ولا يعقل عنك ما تقول، لأن الله قد جعل على قلبه"أكنّة".

وفي تفسير قوله تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)

قال فخر الدين الرازي في مفاتيح الغيب: لَا شَكَّ أَنَّ أُولَئِكَ الْكُفَّارَ كَانَتْ لَهُمْ قُلُوبٌ يَفْقَهُونَ بِهَا مَصَالِحَهُمُ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالدُّنْيَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا الْمَرْئِيَّاتِ، وَآذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا الْكَلِمَاتِ،
فَوَجَبَ أَنَّ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ تَقْيِيدَهَا بِمَا يَرْجِعُ إِلَى الدِّينِ، وَهُوَ أَنَّهُمْ مَا كَانُوا يَفْقَهُونَ بِقُلُوبِهِمْ مَا يَرْجِعُ إِلَى مَصَالِحِ الدِّينِ،
وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ وَيَسْمَعُونَ مَا يَرْجِعُ إِلَى مَصَالِحِ الدِّينِ.

وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: ثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى كَلَّفَهُمْ بِتَحْصِيلِ الدِّينِ مَعَ أَنَّ قُلُوبَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ وَأَسْمَاعَهُمْ مَا كَانَتْ صَالِحَةً لِذَلِكَ، وَهُوَ يَجْرِي مَجْرَى الْمَنْعِ عَنِ الشَّيْءِ وَالصَّدِّ عَنْهُ مَعَ الْأَمْرِ بِهِ، وَذَلِكَ هُوَ الْمَطْلُوبُ.

قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ لَوْ كَانُوا كَذَلِكَ، لَقَبُحَ مِنَ اللَّه تَكْلِيفُهُمْ، لَأَنَّ تَكْلِيفَ مَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْعَمَلِ قَبِيحٌ غَيْرُ لَائِقٍ بِالْحَكِيمِ، فَوَجَبَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنَّهُمْ بِكَثْرَةِ الْإِعْرَاضِ عَنِ الدَّلَائِلِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إِلَيْهَا صَارُوا مُشْبِهِينَ بِمَنْ لَا يَكُونُ لَهُ قَلْبٌ فَاهِمٌ وَلَا عَيْنٌ بَاصِرَةٌ وَلَا أُذُنٌ سَامِعَةٌ.

وَالْجَوَابُ:
أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا تَأَكَّدَتْ نَفْرَتُهُ عَنْ شَيْءٍ، صَارَتْ تِلْكَ النَّفْرَةُ الْمُتَأَكِّدَةُ الرَّاسِخَةُ مَانِعَةً لَهُ عَنْ فَهْمِ الْكَلَامِ الدَّالِّ عَلَى صِحَّةِ الشَّيْءِ، وَمَانِعَةً عَنْ إِبْصَارِ مَحَاسِنِهِ وَفَضَائِلِهِ، وَهَذِهِ حَالَةٌ وِجْدَانِيَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ يَجِدُهَا كُلُّ عَاقِلٍ مِنْ نَفْسِهِ. وَلِهَذَا السَّبَبِ قَالُوا فِي الْمَثَلِ الْمَشْهُورِ " حُبُّكَ الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ ".

إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّ أَقْوَامًا مِنَ الْكُفَّارِ بَلَغُوا فِي عَدَاوَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَفِي بُغْضِهِ وَفِي شِدَّةِ النَّفْرَةِ عَنْ قَبُولِ دِينِهِ وَالِاعْتِرَافِ بِرِسَالَتِهِ هَذَا الْمَبْلَغَ وَأَقْوَى مِنْهُ،
وَالْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ حَاصِلٌ بِأَنَّ حُصُولَ الْبُغْضِ وَالْحُبِّ فِي الْقَلْبِ لَيْسَ بِاخْتِيَارِ الْإِنْسَانِ، بَلْ هُوَ حَاصِلٌ فِي الْقَلْبِ شَاءَ الْإِنْسَانُ أَمْ كَرِهَ.
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: ظَهَرَ أَنَّ حُصُولَ هَذِهِ النَّفْرَةِ وَالْعَدَاوَةِ فِي الْقَلْبِ لَيْسَ بِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ، وَثَبَتَ أَنَّهُ مَتَى حَصَلَتْ هَذِهِ النَّفْرَةُ وَالْعَدَاوَةُ فِي الْقَلْبِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْكِنُهُ مَعَ تِلْكَ النَّفْرَةِ الرَّاسِخَةِ وَالْعَدَاوَةِ الشَّدِيدَةِ تَحْصِيلُ الْفَهْمِ وَالْعِلْمِ،

وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ثَبَتَ الْقَوْلُ بِالْجَبْرِ لُزُومًا لَا مَحِيصَ عَنْهُ، وَنُقِلَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ خُطْبَةٌ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ:
رَوَى الشَّيْخُ أَحْمَدُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ "مناقب الشافعي" رضي اللَّه تعالى عَنْهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ:
وَأَعْجَبُ مَا فِي الْإِنْسَانِ قَلْبُهُ، فِيهِ مَوَادٌّ مِنَ الْحِكْمَةِ وَأَضْدَادِهَا، فَإِنْ سَنَحَ لَهُ الرَّجَاءُ أَوْلَهَهُ الطَّمَعُ، وَإِنْ هَاجَ لَهُ الطَّمَعُ أَهْلَكَهُ الْحِرْصُ، وَإِنْ أَهْلَكَهُ الْيَأْسُ قَتَلَهُ الْأَسَفُ، وَإِنْ عَرَضَ لَهُ الْغَضَبُ اشْتَدَّ بِهِ الْغَيْظُ، وَإِنْ سَعِدَ بِالرِّضَا شَقِيَ بِالسُّخْطِ، وَإِنْ نَالَهُ الْخَوْفُ شَغَلَهُ الْحُزْنُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ الْمُصِيبَةُ قَتَلَهُ الْجَزَعُ، وَإِنْ وَجَدَ مَالًا أَطْغَاهُ الْغِنَى، وَإِنْ عَضَّتْهُ فَاقَةٌ شَغَلَهُ الْبَلَاءُ، وَإِنْ أَجْهَدَهُ الْجُوعُ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ، فَكُلُّ تَقْصِيرٍ بِهِ مُضِرٌّ وَكُلُّ إِفْرَاطٍ لَهُ مُفْسِدٌ.
وَأَقُولُ: هَذَا الْفَصْلُ فِي غَايَةِ الْجَلَالَةِ وَالشَّرَفِ، وَهُوَ كَالْمُطَّلِعِ عَلَى سِرِّ مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، لِأَنَّ أَعْمَالَ الْجَوَارِحِ مَرْبُوطَةٌ بِأَحْوَالِ الْقُلُوبِ، وَكُلُّ حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِ الْقَلْبِ فَإِنَّهَا مُسْتَنِدَةٌ إِلَى حَالَةٍ أُخْرَى حَصَلَتْ قَبْلَهَا.

الله المالك الحكيم : يشرح ويضيق ، ويعطي ويمنع : 

قلت. قوله تعالى (إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ) ومثله قوله تعالى (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا) ،
على ظاهره وحقيقته وليس مجازا ولا يحتاج تأويل من أجل تنزيه الله تعالى ولا يفضي الى القول بالجبر ، لماذا ؟
الجواب :

أولا : لأن الملك ملك الله تعالى ، يفعل فيه ما يشاء .

ثانيا : هذا خاص في فريق من عباده تعالى وليس جميع الناس :

1- عِلْم الله بهم وأنهم لا يؤمنون أبدا ،
 وهذا مثل ما فعل صاحب موسى عليه السلام حين قام بقتل الغلام قال (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا) ثم قال (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) أي أن الله أمر بقتل الغلام ، رغم أن الله نهى عباده عن قتل الأطفال قال (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) .
2- قال تعالى (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) ، ثم قال عنهم في ختام الآية (بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ)الأعراف 146.
اذن فبسبب تكذيبهم واستكبارهم واعراضهم ، منعهم الله من فهم آياته والانتفاع بحكمتها الموصلة والهادية للايمان ثم اليقين ، وحتى الانتفاع بشرائع وقوانين
قد تطيب بها حياتهم الدنيا وتجلب مصالحهم .

- لذلك لا تستغرب حين يعمي الله قلوب بعض العلماء العاقلين النابغين في علوم مثل الطب والهندسة والفيزياء والكيمياء والالكترونيات وغيرها ،
لكنه ديانته فاسدة ، فلا تجده يفقه آية واحد من كتاب الله أو مسألة واحدة في الدين .
فاذا قال قائل : وما ذنبي وقد فعل بي هذا الله ؟
نقول : بل فعله استكبارهم وعنادهم ، وجحودهم للحق وتكذيبه ، وكرهم وغيظهم وحسدهم لرسول الله .
ألا ترى تلميذا في مدرسة يقول، انه لا يفهم ولايفقه شيئا في مادة كذا وأنه يكرهها وعنده عقدة منها وفي نفس الوقت تراه بارعا في مادة أخرى قد تكون اكثر منها في الصعوبة والفهم ،
كذلك يكون اغلاق الفهم والفقه عامة في أي شيء مثل قوم بين السدين ، أو خاصة في شيئ معين دون باقي الأشياء مثل الكافرين والمنافقين .
3- وكذلك تجد الغير متفقهين لدين الله والاسلام والغير عالمين ومتفهمين لمسائل الفقه والعبادات ، ذي صفات معينة ،
 مثل بطر الحق وجحده فتراه يبخس الناس أشياءهم وحقوقهم ويغتصب ما ليس له ، وتراه حانقا حاسد لكل ذي نعمة فهو يحب ان يكون هو المتفرد الوحيد .
4- الله يحث على فهم وتدبر آياته فكيف يصد من قصد التدبر والفهم ؟
قال تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) سورة محمد (24)

القصد والطلب هو مفتاح المسألة :

قال الله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ) و(وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا )
فالله يوفق المرء حسبما أراد وقصد ، فاذا تولى وكفر ، أغلق الله عليه أبواب الهدى ، لكن من أقبل وسعى للمعرفة ، وَفَقَهُ الله على تعلم دينه .
قال تعالى في سورة عبس (عَبَسَ وَتَوَلَّى .أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى . وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى .أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى . فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى. وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى . وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ )

5- في سورة الاسراء زيادة توضيح وجواب آخر :

قال تعالى ( وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا) وأعقبه في نفس الآية ( وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا )
ونحوها في غافر (ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ، وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا )
اذن فالكافرين لم يُمْنعوا كل الفقه وكل فهم القرآن ، بل هم قد عرفوا وفهموا بعضه، بدليل فقه المشركين وفهمهم أن آيات القرآن تدعو الى التوحيد ،
كما ذكرت الآية ، وهذا هو القدر المطلوب من الفهم للتكليف .

6- المنافقون حُجّة على الكافرين :

قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ )

قال الله عز وجل ( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ . اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ )
اذن فهذا فريق آخر قد عرف الايمان وآمن بالآيات وصدق بها لكنه ارتد وكفر بها ، فكان جزاؤه الطبع على قلوبهم أن يفقهوه .
وكذلك في الذي انسلخ من آيات الله قال (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ . وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) الأعراف ،

لما انسلخ من الايمان والمعرفة ، سلط الله عليه الشيطان فأتبعه فكان من الغاوين .

الفقه ، منازل ودرجات :

قال تعالى (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ . فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا)الأنبياء.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) أَيْ فَهَّمْنَاهُ الْقَضِيَّةَ وَالْحُكُومَةَ .
 وفي الحديث عن معاوية : " يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ".
وعن أبي جحيفة رضي الله عنه، قال: قلت لعلي رضي الله عنه: هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟
قال: " لا والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ما أعلمه إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن .. " الحديث .

 وأخرج مسلم في صحيحه ،عن ابن عباس :
( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الخلاء، فوضعت له وضوءا ، قال: "من وضع هذا "؟. فأخبر.
فقال: " اللهم فقهه في الدين " ) .

..






تعليقات