حديث أربع من كن فيه كان منافقا خالصا

النفاق  . 




شرح حديث أربع من كن فيه كان منافقا  "كتاب النبهان" : 

 خصال المنافق :

22- حديث ابن عمرو بن العاص .

قال البخاري : حدثنا قبيصة بن عقبة، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر "
 تابعه شعبة، عن الأعمش

وفي رواية لمسلم : " أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر "

23- حديث أبي هريرة :


قال البخاري : حدثنا سليمان أبو الربيع، قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر، قال: حدثنا نافع بن مالك بن أبي عامر أبو سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 
" آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان.
آية : أي علامة .

وزيادة في احدى روايات عند مسلم :" وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم "
قال مسلم : وحدثني أبو نصر التمار، وعبد الأعلى بن حماد، قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث يحيى بن محمد، عن العلاء، ذكر فيه: " وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم


أقوال العلماء في شرح صفات النفاق :

قال النووي في شرح صحيح مسلم :

هذا الحديث مما عده جماعة من العلماء مشكلا من حيث إن هذه الخصال توجد في المسلم المصدق الذي ليس فيه شك وقد أجمع العلماء على أن من كان مصدقا بقلبه ولسانه وفعل هذه الخصال لا يحكم عليه بكفر ولا هو منافق يخلد في النار فإن إخوة يوسف صلى الله عليه وسلم جمعوا هذه الخصال وكذا وجد لبعض السلف والعلماء بعض هذا أو كله ،
وهذا الحديث ليس فيه بحمد الله تعالى إشكال ولكن اختلف العلماء في معناه فالذي قاله المحققون والأكثرون وهو الصحيح المختار:
أن معناه أن هذه الخصال خصال نفاق وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومتخلق بأخلاقهم فإن النفاق هو إظهار ما يبطن خلافه وهذا المعنى موجود في صاحب هذه الخصال ويكون نفاقه في حق من حدثه ووعده وائتمنه وخاصمه وعاهده من الناس لا أنه منافق في الإسلام فيظهره وهو يبطن الكفر،
ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا أنه منافق نفاق الكفار المخلدين في الدرك الأسفل من النار،
وقوله صلى الله عليه وسلم "كان منافقا خالصا" معناه شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال،
قال بعض العلماء وهذا فيمن كانت هذه الخصال غالبة عليه فأما من يندر ذلك منه فليس داخلا فيه فهذا هو المختار في معنى الحديث.
وقد نقل الإمام أبو عيسى الترمذي رضي الله عنه معناه عن العلماء مطلقا فقال : إنما معنى هذا عند أهل العلم نفاق العمل.

وقال جماعة من العلماء : المراد به المنافقون الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فحدثوا بإيمانهم وكذبوا واؤتمنوا على دينهم فخانوا ووعدوا في أمر الدين ونصره فأخلفوا وفجروا في خصوماتهم ، وهذا قول سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح ورجع إليه الحسن البصري رحمه الله بعد أن كان على خلافه ،
وهو مروى عن بن عباس وبن عمر رضي الله عنهم وروياه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم ،قال القاضي عياض رحمه الله وإليه مال كثير من أئمتنا .
وحكى الخطابي رحمه الله قولا آخر أن معناه : التحذير للمسلم أن يعتاد هذه الخصال التي يخاف عليه أن تفضي به إلى حقيقة النفاق .
وحكى الخطابي رحمه الله أيضا عن بعضهم : أن الحديث ورد في رجل بعينه منافق وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يواجههم بصريح القول فيقول فلان منافق وإنما كان يشير إشارة كقوله صلى الله عليه وسلم ما بال أقوام يفعلون كذا والله أعلم .

وقال القرطبي في المفهم : قال ابنُ الأنباريِّ: في تسميةِ المنافقِ منافقًا ثلاثةُ أقوال:


أحدها: أنَّه سمِّي بذلك؛ لأنَّه يستُرُ كفره؛ فأشبه الداخلَ في النَّفَق، وهو السَّرَبُ.

وثانيها: أنه شُبِّهَ باليربوعِ الذي له جُحرٌ يقال له: القَاصِعاء، وآخَرُ يقال له: النَّافِقاء، فإذا أُخِذَ عليه مِن أحدهما، خرَجَ من الآخر؛ وكذلك المنافق: يخرُجُ من الإيمانِ مِن غير الوجهِ الذي يدخُلُ فيه.

وثالثها: أنَّه شُبِّه باليربوعِ مِن جهة أنَّ اليربوع يَخرِقُ في الأرض، حتى إذا قاربَ ظاهرَهَا، أَرَقَّ الترابَ، فإذا رَابه رَيب، دفَعَ الترابَ برأسِهِ فخرَجَ، فظاهرُ جُحرِهِ تراب، وباطنُهُ حَفر، وكذلك المنافقُ: ظاهرُهُ الإيمان، وباطنه الكفر.

وقال القرطبي -: وظاهرُ هذا الحديثِ: أنَّ مَن كانت هذه الخصالُ الثلاثُ فيه، خرَجَ من الإيمان، وصار في النفاق الذي هو الكُفرُ الذي قال فيه مالكٌ: النفاقُ الذي كان على عَهدِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الزندقةُ عندنا اليَومَ ،
وليس الأمرُ على مقتضى هذا الظاهرِ؛ لِمَا قرَّرناه في أوَّلِ الكتابِ، وأَعَدناه في البابِ الذي قبلَ هذا.

حديث المنافق ليس على ظاهره :

قال القرطبي : 
ولمَّا استحالَ حملُ هذا الحديثِ على ظاهره على مذهبِ أهل السنة، اختلَفَ العلماءُ فيه على أقوال:

أحدها: أنَّ هذا النفاقَ هو نفاقُ العملِ الذي سألَ عنه عمرُ حذيفةَ لما قال له: هل تعلَمُ فيَّ شيئًا من النفاق؟ أي: مِن صفات المنافقين الفعليَّة، ووجهُ هذا: أنَّ مَن كَانَت فيه هذه الخصالُ المذكورة، كان ساترًا لها، ومظهرًا لنقائضها؛ فصدَقَ عليه اسمُ منافق.

وثانيها: أنّه محمولٌ على مَن غلبت عليه هذه الخصال، واتَّخَذَها عادةً، ولم يبالِ بها؛ تهاوُنًا واستخفافًا بأمرها؛ فأي مَن كان هكذا، كان فاسدَ الاِعتقادِ غالبًا، فيكونُ منافقًا خالصًا.

وثالثها: أنَّ تلك الخصالَ كانت علامةَ المنافقين في زمانه؛ فإنَّ أصحابَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كانوا متجنبين لتلك الخصال؛ بحيث لا تقع منهم، ولا تُعرَفُ فيما بينهم؛ وبهذا قال ابنُ عبَّاس وابنُ عمر، ورُوِيَ عنهما في ذلك حديثٌ، وهو أنهما أَتَيَا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فسألاه عن هذا الحديث، فضحكَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وقال: ما لكم ولهنَّ، إنما خصَصتُ بهنَّ المنافقين، أنتم مِن ذلك بُرَآء ، وذكر الحديثَ بطولِهِ القاضي عياض، قال: وإلى هذا صارَ كثيرٌ من التابعين والأئمَّة.

و(قوله: وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ) أي: مال عن الحَقِّ، واحتال في ردِّه وإبطاله

قال الهَرَوِيُّ: أصلُ الفجور: الميلُ عن القصد، وقد يكونُ الكذبَ. والخَلَّةُ بفتح الخاء: الخَصلة، وجمعها خِلاَل، وبالضمِّ الصداقة. والزُّعمُ بضم الزاي قولٌ غيرُ محقَّق؛ كما تقدَّم.

وكونُهُ - عليه الصلاة والسلام - ذَكَرَ في حديثِ أبي هريرة: أنَّ علامةَ المنافقِ ثلاثٌ، وفي حديث ابن عمرو: أنَّها أربعٌ: يَحتَمِلُ أن يكونَ ذلك؛ لأنَّه - عليه الصلاة والسلام - استجَدَّ من العلم بخصالِ المنافقين ما لم يكُن عنده: فإمَّا بالوحي، وإمَّا بالمشاهَدَةِ لتك منهم. وعلى مجموعِ الروايتَينِ: تكونُ خصالهم خمسًا: الكذبُ، والغَدرُ، والإخلافُ، والخيانةُ، والفجورُ في الخصومة، ولا شَكَّ في أنَّ للمنافقين خصالاً أُخَرَ مذمومةً؛ كما قد وصفهم الله تعالى حيث قال: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا، فيحتملُ أن يقال: إنَّما خُصَّت تلك الخصالُ الخمسُ بالذِّكر؛ لأنَّها أظهرُ عليهم مِن غيرها عند مخالطتهم للمسلمين، أو لأنَّها هي التي يَضُرُّون بها المسلمين، ويقصدون بها مفسدتهم، دون غيرها مِن صفاتهم، والله تعالى أعلم.

وقال النووي عن الحديث الآخر :

وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأولى أربع من كن فيه كان منافقا وفي الرواية الأخرى آية المنافق ثلاث فلا منافاة بينهما فإن الشيء الواحد قد تكون له علامات كل واحدة منهن تحصل بها صفته ثم قد تكون تلك العلامة شيئا واحدا وقد تكون أشياء والله أعلم .

قال الحافظ ابن حجر في الفتح :

(قوله باب علامات المنافق)
لما قدم أن مراتب الكفر متفاوتة وكذلك الظلم أتبعه بأن النفاق كذلك وقال الشيخ محيي الدين مراد البخاري بهذه الترجمة أن المعاصي تنقص الإيمان كما أن الطاعة تزيده وقال الكرماني مناسبة هذا الباب لكتاب الإيمان أن النفاق علامة عدم الإيمان أو ليعلم منه أن بعض النفاق كفر دون بعض والنفاق لغة مخالفة الباطن للظاهر فإن كان في اعتقاد الإيمان فهو نفاق الكفر وإلا فهو نفاق العمل ويدخل فيه الفعل والترك وتتفاوت مراتبه


تعليقات