هلال رمضان (أحكام فقهية)

 

رؤية الهلال .

 الخلاف في رؤية هلال رمضان

أحكام فقهية في هلال رمضان والاختلاف فى رؤيته في البلاد الاسلامية :

حكم اختلاف المطالع فى رؤية هلال رمضان 


مسألة يستحب للناس ترائي الهلال ليلة الثلاثين من شعبان :

قال ابن قدامة في المغني :

قال أبو القاسم، - رحمه الله -: (وإذا مضى من شعبان تسعة وعشرون يوما، طلبوا الهلال، فإن كانت السماء مصحية لم يصوموا ذلك اليوم)
وجملة ذلك أنه يستحب للناس ترائي الهلال ليلة الثلاثين من شعبان، وتطلبه ليحتاطوا بذلك لصيامهم، ويسلموا من الاختلاف.
وقد روى الترمذي، عن أبي هريرة، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «أحصوا هلال شعبان لرمضان» .
فإذا رأوه وجب عليهم الصيام إجماعا،

كراهية صيام يوم الشك :

وإن لم يروه وكانت السماء مصحية، لم يكن لهم صيام ذلك اليوم، إلا أن يوافق صوما كانوا يصومونه، مثل من عادته صوم يوم وإفطار يوم، أو صوم يوم الخميس، أو صوم آخر يوم من الشهر،
وشبه ذلك إذا وافق صومه، أو من صام قبل ذلك بأيام، فلا بأس بصومه؛ لما روى أبو هريرة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:
" لا يتقدمن أحدكم رمضان بصيام يوم أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صياما فليصمه " . حديث متفق عليه.

وقال عمار:  " من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم "  . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وكره أهل العلم صوم يوم الشك، واستقبال رمضان باليوم واليومين؛ لنهي النبي – صلى الله عليه وسلم – عنه.

 فأما استقبال الشهر بأكثر من يومين فغير مكروه، فإن مفهوم حديث أبي هريرة أنه غير مكروه؛ لتخصيصه النهي باليوم واليومين.
 وقد روى العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:

إذا كان النصف من شعبان، فأمسكوا عن الصيام، حتى يكون رمضان» . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

فصل: ويستحب لمن رأى الهلال أن يقول ما روى ابن عمر، قال:

 «كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا رأى الهلال قال: الله أكبر، اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، ربي وربك الله.» رواه الأثرم.

 مسألة إذا رأى الهلال أهل بلد لزم جميع البلاد الصوم :

 وإذا رأى الهلال أهل بلد، لزم جميع البلاد الصوم. وهذا قول الليث، وبعض أصحاب الشافعي.
وقال بعضهم: إن كان بين البلدين مسافة قريبة، لا تختلف المطالع لأجلها كبغداد والبصرة، لزم أهلهما الصوم برؤية الهلال في أحدهما، وإن كان بينهما بعد، كالعراق والحجاز والشام، فلكل أهل بلد رؤيتهم. وروي عن عكرمة، أنه قال: لكل أهل بلد رؤيتهم.

وهو مذهب القاسم، وسالم، وإسحاق؛ لما روى كريب، قال: «قدمت الشام، واستهل علي هلال رمضان، وأنا بالشام، فرأينا الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني ابن عباس، ثم ذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟

قلت: رأيناه ليلة الجمعة.

فقال: أنت رأيته ليلة الجمعة؟

 قلت: نعم، ورآه الناس، وصاموا، وصام معاوية

فقال: لكن رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه.

فقلت: ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟

فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله  صلى الله عليه وسلم .
 قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.

رأي ابن قدامة وبعض الحنابلة :

قال : ولنا قول الله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة: 185] .

وقول النبي  صلى الله عليه وسلم للأعرابي لما قال له: الله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة؟ قال: نعم» .

وقوله للآخر لما قال له: ماذا فرض الله علي من الصوم؟

 قال: شهر رمضان.

وأجمع المسلمون على وجوب صوم شهر رمضان، وقد ثبت أن هذا اليوم من شهر رمضان، بشهادة الثقات، فوجب صومه على جميع المسلمين. ولأن شهر رمضان ما بين الهلالين، وقد ثبت أن هذا اليوم منه في سائر الأحكام، من حلول الدين، ووقوع الطلاق والعتاق، ووجوب النذور، وغير ذلك من الأحكام، فيجب صيامه بالنص والإجماع، ولأن البينة العادلة شهدت برؤية الهلال، فيجب الصوم، كما لو تقاربت البلدان.

فأما حديث كريب فإنما دل على أنهم لا يفطرون بقول كريب وحده، ونحن نقول به، وإنما محل الخلاف وجوب قضاء اليوم الأول، وليس هو في الحديث.

فإن قيل: فقد قلتم إن الناس إذا صاموا بشهادة واحد ثلاثين يوما، ولم يروا الهلال، أفطروا في أحد الوجهين. قلنا: الجواب عن هذا من وجهين؛ أحدهما، أننا إنما قلنا يفطرون إذا صاموا بشهادته، فيكون فطرهم مبنيا على صومهم بشهادته، وهاهنا لم يصوموا بقوله، فلم يوجد ما يجوز بناء الفطر عليه. الثاني، أن الحديث دل على صحة الوجه الآخر.

 مسألة : وإذا رأى مسلم هلال شهر رمضان وحده، صام  

قاله الخرقي ،

وقال ابن قدامة : المشهور في المذهب أنه متى رأى الهلال واحد لزمه الصيام، عدلا كان أو غير عدل، شهد عند الحاكم أو لم يشهد، قبلت شهادته أو ردت. وهذا قول مالك، والليث، والشافعي، وأصحاب الرأي، وابن المنذر.

وقال عطاء، وإسحاق: لا يصوم. وقد روى حنبل عن أحمد: لا يصوم إلا في جماعة الناس. وروي نحوه عن الحسن وابن سيرين؛ لأنه يوم محكوم به من شعبان، فأشبه التاسع والعشرين. ولنا أنه تيقن أنه من رمضان فلزمه صومه، كما لو حكم به الحاكم. وكونه محكوما به من شعبان ظاهر في حق غيره، وأما في الباطن فهو يعلم أنه من رمضان، فلزمه صيامه كالعدل.

فإن أفطر ذلك اليوم بجماع، فعليه الكفارة :

وقال أبو حنيفة لا تجب؛ لأنها عقوبة، فلا تجب بفعل مختلف فيه، كالحد. ولنا أنه أفطر يوما من رمضان بجماع، فوجبت به عليه الكفارة، كما لو قبلت شهادته، ولا نسلم أن الكفارة عقوبة، ثم قياسهم ينتقض بوجوب الكفارة في السفر القصير، مع وقوع الخلاف فيه.

مسألة يُقْبل في هلال رمضان قول واحد عدل :

قال: (وإن كان عدلا، صوم الناس بقوله)
المشهور عن أحمد، أنه يقبل في هلال رمضان قول واحد عدل، ويلزم الناس الصيام بقوله. وهو قول عمر، وعلي، وابن عمر، وابن المبارك، والشافعي في الصحيح عنه.

وروي عن أحمد، أنه قال: اثنين أعجب إلي. قال أبو بكر: إن رآه وحده، ثم قدم المصر، صام الناس بقوله، على ما روي في الحديث، وإن كان الواحد في جماعة الناس، فذكر أنه رآه دونهم، لم يقبل إلا قول اثنين؛ لأنهم يعاينون ما عاين.

 وقال عثمان بن عفان - رضي الله عنه -: لا يقبل إلا شهادة اثنين. وهو قول مالك، والليث، والأوزاعي، وإسحاق لما روى عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، أنه خطب الناس في اليوم الذي يشك فيه. فقال: إني جالست أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسألتهم، وإنهم حدثوني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:

 «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، وانسكوا، فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين، وإن شهد شاهدان ذوا عدل، فصوموا وأفطروا.» رواه النسائي.

ولأن هذه شهادة على رؤية الهلال، فأشبهت الشهادة على هلال شوال،

وقال أبو حنيفة في الغيم كقولنا، وفي الصحو: لا يقبل إلا الاستفاضة؛ لأنه لا يجوز أن تنظر الجماعة إلى مطلع الهلال وأبصارهم صحيحة، والموانع مرتفعة، فيراه واحد دون الباقين.

ولنا ما روى ابن عباس قال: «جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: رأيت الهلال. قال، أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله؟

 قال: نعم.

قال: يا بلال أذن في الناس، فليصوموا غدا»

رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي.

وروى ابن عمر، قال «تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني رأيته. فصام وأمر الناس بصيامه.» رواه أبو داود.

ولأنه خبر عن وقت الفريضة فيما طريقه المشاهدة، فقبل من واحد، كالخبر بدخول وقت الصلاة، ولأنه خبر ديني يشترك فيه المخبر والمخبر، فقبل من واحد عدل، كالرواية، وخبرهم إنما يدل بمفهومه، وخبرنا أشهر منه، وهو يدل بمنطوقه، فيجب تقديمه، ويفارق الخبر عن هلال شوال، فإنه خروج من العبادة، وهذا دخول فيها، وحديثهم في هلال شوال يخالف مسألتنا،

فتوى الشيخ جاد الحق على جاد الحق رحمه الله :

ذو القعدة سنة 1309 هجرية - 8 أكتوبر سنة 1979 م

المبادئ

 1 - أجمع المسلمون على أن استبصار هلال رمضان واجب كفائى، وليس فرض عين فيكفى أن يلتمسه بعض المسلمين عملا بمقتضى السنة الصحيحة .

2 - يرى جمهور الفقهاء أنه لا عبرة باختلاف المطالع، فاذا ثبتت رؤية الهلال فى أى بلد اسلامى ثبتت فى حق جميع المسلمين، على اختلاف اقطارهم، متى بلغهم ثبوته بطريق صحيح .

3 - ويرى بعض الفقهاء اعتبار اختلاف المطالع فيلتزم أهل كل بلد بمطلعه .

4 - الرأى الراجح المفتى به، والذى استقر عليه مؤتمر علماء المسلمين المنعقد بمجمع البحوث الإسلامية بالزهر الشريف ( 1386 هجرية - 1966 م ) أنه لا عبرة باختلاف المطالع لقوة دليله ولأنه يتفق مع ما قصده الشارع الحكيم من وحدة المسلمين .

5 - متى تحققت رؤية هلال رمضان فى بلد من البلاد الإسلامية فانه يجب الصوم على جميع المسلمين الذين تشترك بلادهم مع البلد الإسلامى الذى ثبتت فيه الرؤية فى جزء من الليل، ما لم يقم ما يناهض هذه الرؤية ويشكك فى صحتها امتثالا لقوله تعالى { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } والحديث الشريف ( صموا لرؤيته ) .

6 - اذا لم تثبت رؤية الهلال بأى سبب أو مانع كان عليهم اكمال عدة شعبان ثلاثين يوما متى قطع أهل الحساب بأن هلال رمضان يولد ويغرب قبل غروب شمس يوم 29 من شعبان .

7 - اذا قطع أهل الحساب بأن هلال رمضان يولد يوم 29 من شعبان ويمكث فوق الأفق بعد غروب شمس هذا اليوم مدة يمكن رؤيته فيها فانه فى هذه الحالة يعمل بقول أهل الحساب الموثوق بهم، ويثبت به دخول شهر رمضان، بناء على ما ذهب اليه بعض الفقهاء واستقر عليه رأى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف

السؤال :  من السيد الأستاذ الدكتور رئيس مجمع اللغة العربية بشأن طلب السيد الأستاذ / أ ع ع عضو المجمع من الجمهورية العربية اليمنية بشأن ما صدر من فتوى تنص على أن ثبوت رؤية الهلال فى بلد اسلامى يمكن الأخذ بها فى بلد آخر لم يثبت عنده رؤية الهلال مع سند ذلك من الفقه والتشريع

 

الجواب :

 نفيد أن الثابت واقعيا والمشاهد حسيا وتأكد علميا ان الهلال عند ظهوره قد يرى فى سماء بعض البلاد بعد غروب الشمس ولايرى فى بلاد أخرى إلا فى الليلة التالية اذ قد تكون الرؤية متيسرة فى بعض الأقطار متعسرة فى بعض آخر ، ومن هذا الواقع يصبح اختلاف مطالع الأهلة أمرا واقعيا وظاهرة مستمرة لا جدال فيها وتبعا لهذا اختلفت كلمة فقهاء المسلمين فيما اذا كان اختلاف مطالع القمر مؤثرا فى ثبوت ظهوره وبالتالى مؤثرا فى الأحكام المتعلقة بالأهلة كالصوم والأفطار والحج والأضحية أو غير مؤثر فلا عبرة باختلاف المطالع .

بمعنى أنه اذا ثبتت رؤية الهلال فى أى بلد اسلامى ثبتت فى حق جميع المسلمين على اختلاف أقطارهم على ظهر أرض الله متى بلغهم ثبوته بطريق صحيح أو أن اختلاف المطلع يعتبر فيلتزم أهل كل بلد مطلعه، ذلك لأن الشارع الحكيم قد أناط الصوم برؤية الهلال فقال الله سبحانه { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } البقرة 185 ، وأبان الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله فى الحديث المتفق عليه ( صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته ) وأجمع المسلمون على أن استبصار هلال رمضان واجب كفائى وليس فرض عين فيكفى أن يلتمسه بعض المسلمين سندا على ما هو ثابت فى السنة الصحيحة من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم .

ففى فقه الحنفية أن ظاهر المذهب - كما جاء فى الدر المختار للحصكفى والبحر الرائق لابن نجيم وفتح القدير لابن الهمام أنه لا عبرة باختلاف المطالع فمتى ثبتت رؤية الهلال فى بلد بالمشرق مثلا لزم ذلك سائر البلاد شرقا وغربا لعموم الخطاب فى حديث ( صوموا لرؤيته ) وذهب آخرون من فقهاء المذهب الى اعتبار اختلاف المطالع نص على هذا الزيلعى فى كتابه تبيين الحقائق - والفتوى فى المذهب على القول الأول .

وفى الفقه المالكى أقوال ثلاثة :

الأول ،أنه لا اعتبار لاختلاف المطالع قربت البلاد أو بعدت .

الثانى ، اعتبار اختلاف المطالع بمعنى أنه اذا ثبتت الرؤية عند حاكم فلا يعم حكمها إلا من فى ولايته فقط .

الثالث ، يعتبر اختلاف المطالع بالنسبة للبلاد البعيدة جدا كالحجاز والأندلس كما أورده ابن جزى فى كتابه القوانين الفقهية وكما ورد فى مواهب الجليل وفى الشرح الكبير .

ولكن مقتضى ما جاء فى مختصر خليل بيد أن الفتوى على ما جاء فيه أن المشهور فى المذهب عدم اعتبار اختلاف المطالع وهو ما صرح به الحطاب .

وفى فقه الشافعية قال الامام النووى فى كتابه المجموع شرح المهذب للشيرازى فى كتاب الصيام فى الجزء السادس ما موجزه أنه اذا رئى هلال رمضان فى بلد ولم ير فى غيره فان تقارب البلدان فحكمهما حكم بلد واحد بلا خلاف وان تباعدا فوجهان مشهوران أصحهما لا يجب الصوم على أهل البلاد الأخرى - والثانى يجب والأصح الأول وفيما يعتبر فيه البعد والقرب ثلاثة أقوال أصحها أن التباعد باختلاف المطالع كالحجاز والعراق وخراسان والتقارب كبغداد والكوفة .

والثانى ان الاعتبار باتحاد الاقليم واختلافه فان اتحدا فمتقاربان وان اختلفا فمتباعدان .

والثالث أن التباعد مسافة قصر الصلاة والتقارب دونها .

وفى فقه الحنابلة نص ابن قدامة فى كتابه المغنى فى باب الصوم فى أوائل الجزء الثالث على أنه ( واذا رأى الهلال أهل بلد لزم جميع البلاد الصوم ) .

وهذا قول الليث وبعض أصحاب الشافعى ثم ساق استدلاله بآية { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وببعض ما ورد فى كتب السنة .

وفقه الزيدية والشيعة الامامية مختلف كذلك فى عدم اعتبار اختلاف المطالع فى ثبوت هلال رمضان أو فى اعتباره فقال الهادوية والامام يحيى عن الزيدية بأن اختلاف المطالع معتبر فاذا ثبتت رؤية الهلال فى بلد فلا يسرى حكمها على بلد آخر مختلف المطلع بل قد جاء فى البحر الزخار أن الرؤية لا تعم فى الأقليم الواحد ان اختلف ارتفاعا وانحدارا وفى سبل السلام للصنعانى والأقرب لزوم بلدة الرؤية وما يتصل بها من الجهات التى على سمتها واختار المهدى وجماعة من الزيدية تعميم الحكم والشهادة بالرؤية جميع البلاد .

وقال الشوكانى وهو الذى ينبغى اعتماده وذهب اليه جماعة من الامامية .

الخلاصة :

من هذا العرض الوجيز لكلمة فقه الإسلام على اختلاف مذاهبه التى بأيدينا كتبها نرى أن الفقهاء مختلفين فى اعتبار اختلاف مطالع الأهله فيلتزم أهل كل قطر بمطلعه أو أنه لا اعتبار باختلاف المطالع فمتى ثبتت رؤية هلال رمضان فى بلد لزم سائر الناس شرقا وغربا متى وصلهم خبر ثبوت الرؤية بطريق صحيح وأن الخلاف فى هذا ليس بين مذهب فقهى وآخر فحسب وانما قد شجر الخلاف بين فقهاء المذهب الواحد فى هذا الموضع .

ترجيح اذا ثبت رؤية الهلال في بلد لزم جميع المسلمين :

وقال الشيخ جاد الحق : والذى أميل إلى ترجيحه القول المردد فى جميع هذه المذاهب والذى يقرر أنه لا عبرة باختلاف المطالع لقوة دليله ولأنه يتفق مع ما قصده الشارع الحكيم من وحدة المسلمين فهم يصلون إلى قبلة واحدة ويصومون شهرا واحدا ويحجون فى أشهر محددة والى مواقيت ومشاعر معينة وعلى هذا فانه متى تحققت رؤية هلال رمضان فى بلد من البلاد الإسلامية يمكن القول بوجوب الصوم على جميع المسلمين الذين تشترك بلادهم مع البلد الإسلامى الذى ثبتت الرؤية فى جزء من الليل ما لم يقم ما يناهض هذه الرؤية وشكك فى صحتها امتثالا لعموم الخطاب فى الآية الكريمة والحديث الشريف السالفين .

على أنه يجب أن يكون واضحا عند تلاوة قول الله سبحانه { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } أن الشهود فى الآية ليس معناه الرؤية وانما هو الحضور والاقامة ويكون المعنى والله أعلم من حضر شهر رمضان وأدرك زمنه فواجب عليه أن يصوم متى كان مكلفا بالصوم ولم يقم به عذر مرخص للفطر .

ومما سلف نرى أنه يجب على جميع المسلمين فى شتى أنحاء الأرض أن يصوموا رمضان اذا ثبتت رؤية هلاله ثبوتا شرعيا فى قطر من أقطار المسلمين دون شك فى صحتها،

 فاذا لم تثبت كان عليهم اكمال عدة شعبان ثلاثين يوما ومتى أتموه بهذه العدة تعين دخول رمضان عملا بقول الرسول صلى الله عليه سلم ( صوموا لرؤيته ) فاكمال شعبان ثلاثين يوما يكون متى لم تثبت رؤية هلال رمضان ليلة الثلاثين سواء كان عدم الرؤية بسبب وجود ما يحول دونها من سحب أو غيوم أو غبار أو مع صفاء السماء من هذه الموانع متى قطع أهل الحساب أن هلال رمضان يولد ويغرب قبل غروب شمس يوم 29 من شعبان –

 أما اذا قطعوا بأن هلال رمضان يولد يوم 29 من شعبان ويمكث فوق الأفق بعد غروب شمس هذا اليوم مدة يمكن رؤيته فيها فانه فى هذه الحالة يعمل بقول أهل الحساب الموثوق بهم ويثبت به دخول شهر رمضان بناء على ما ذهب اليه بعض الفقهاء من جواز العمل بالحساب الموثوق به الدال على الوضع الهلالى وامكان الرؤية بعد غروب شمس يوم 29 من الشهر السابق - هذا وان كان الاختلاف بين الفقهاء على اشده فى مبدأ العمل بقول أهل الحساب .

ولكن الرأى المتقدم هو ما حققه واختاره بعض الثقات من علماء الفقه والفتوى ونميل للأخذ به .

قرار مؤتمر علماء المسلمين عام 1386 هجرية / 1966 ميلادية : 

ولقد انتهى مؤتمر علماء المسلمين المنعقد بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف فى دورته الثالثة فى جمادى الآخرة 1386 هجرية - أكتوبر 1966 م فى تحديد أوائل الشهور القمرية الى القرار الآتى (أ) يقرر المؤتمر ما يلى
 1 - ان الرؤية هى أصل فى معرفة دخول أى شهر قمرى كما يدل عليه الحديث الشريف فالرؤية هى الأساس، لكنه لا يعتمد عليها اذا تمكنت فيها التهم تمكنا قويا .

2 - يكون ثبوت رؤية الهلال بالتواتر والاستفاضة كما يكون بخبر الواحد ذكرا كان أو أنثى .

اذا لم تتمكن التهمة فى أخباره لسبب من الأسباب ومن هذه الأسباب مخالفة الحساب الفلكى الموثوق به الصادر ممن يوثق به .

3 - خبر الواحد ملزم له ولمن يثق به - أما الزام الكافة فلا يكون إلا بعد ثبوت الرؤية عند من خصصته الدولة الإسلامية للنظر فى ذلك .

4 - يعتمد على الحساب فى اثبات دخول الشهر اذا لم يتحقق الرؤية ولم يتيسر الوصول إلى اتمام الشهر السابق ثلاثين يوما .

(ب) يرى المؤتمر أنه لا عبرة، باختلاف المطالع وان تباعدت الأقاليم متى كانت مشتركة فى جزء من ليلة الرؤية وأن قل ويكون اختلاف المطالع معتبرا بين الأقاليم التى لا تشترك فى جزء من هذه الليلة .

ودار الافتاء بهذا ملتزمة بما سبق بيانه من أنه لا عبرة باختلاف المطالع وبأن الأساس هو الرؤية البصرية للهلال - لكن لا يعتمد عليها اذا تمكنت فيها التهمة تمكنا قويا - ومن أسباب تمكن التهمة مخالفة الرؤية للحساب الفلكى الموثوق به الصادر ممن يوثق به عن ولادة الهلال فلكيا حسبما تقدم نقله عن قرار مؤتمر علماء المسلمين .


تعليقات