الحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ

 

الحلال والحرام  

إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ :

قال الامام النووي : " أجمع العلماء على عظم وقع هذا الحديث وكثرة فوائده وأنه أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام،
 قال العلماء :وسبب عظم موقعه أنه صلى الله عليه وسلم نبه فيه على إصلاح المطعم والمشرب والملبس وغيرها وأنه ينبغي ترك المشتبهات فإنه سبب لحماية دينه وعرضه وحذر من مواقعة الشبهات " .

قلت قال النبي صلى الله عليه وسلم : 
 " يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لاَ يُبَالِي المَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ الحَلاَلِ أَمْ مِنَ الحَرَامِ "

و عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:

 أَرَأَيْتَ إِذَا صَلَّيْتُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ، وَصُمْتُ رَمَضَانَ، وَأَحْلَلْتُ الْحَلَالَ، وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ، وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا، أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ ؟

قَالَ: " نَعَمْ " .
 قَالَ: وَاللهِ لَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا .


روايات حديث الحلال بين والحرام بين  في الصحيحين :

الحديث الأول :

قال البخاري في صحيحه حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الحَلاَلُ بَيِّنٌ،  وَالحَرَامُ بَيِّنٌ ،
وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ،
 فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ،
 وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ ،
أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ) الحديث

 الحديث الثاني :

وقال حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي فَرْوَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
 قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" الحَلاَلُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ، فَمَنْ تَرَكَ مَا شُبِّهَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ، كَانَ لِمَا اسْتَبَانَ أَتْرَكَ، وَمَنِ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنَ الإِثْمِ، أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ،
 وَالمَعَاصِي حِمَى اللَّهِ، مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ
"

الحديث الثالث :

وقال الامام مسلم في صحيحه :

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:
" إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ، صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ

روايات المشتبهات :

الأولى : (وبينهما مشبهات) بوزن مفعلات بتشديد العين المفتوحة وهي رواية مسلم أي شبهت بغيرها مما لم يتبين به حكمها على التعيين وفي رواية الأصيلي

الثانية : ( مشتبهات) بوزن مفتعلات بتاء مفتوحة وعين خفيفة مكسورة وهي رواية بن ماجة وهو لفظ بن عون والمعنى أنها موحدة اكتسبت الشبه من وجهين متعارضين،

الثالثة  (متشابهات ) رواه الدارمي عن أبي نعيم شيخ البخاري .

 

تفسير الحلال البين والحرام البين :

قال الامام النووي : فمعناه أن الأشياء ثلاثة أقسام :
حلال بين واضح لا يخفى حِلّه ،
 كالخبز والفواكه والزيت والعسل والسمن ولبن مأكول اللحم وبيضه وغير ذلك من المطعومات وكذلك الكلام والنظر والمشي وغير ذلك من التصرفات فيها حلال بين واضح لا شك في حله

وأما الحرام البين :  فكالخمر والخنزير والميتة والبول والدم المسفوح وكذلك الزنى والكذب والغيبة والنميمة والنظر إلى الأجنبية وأشباه ذلك
وقال القرطبي: يعني: أن كل واحد منهما مبين بأدلته في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تأصيلا وتفصيلا.
 فمن وقف على ما في كتاب الله والسنة من ذلك وجد فيهما أمورا جلية التحليل، وأمورا جلية التحريم،

قوله صلى الله عليه وسلم "لا يعلمها كثير من الناس " قال ابن حجر : أي لا يعلم حكمها،
 وجاء واضحا في رواية الترمذي بلفظ " لا يدري كثير من الناس أمن الحلال هي أم من الحرام"
قوله (كثير من الناس ) ومفهوم قوله "كثير" أن معرفة حكمها ممكن لكن للقليل من الناس وهم المجتهدون فالشبهات على هذا في حق غيرهم وقد تقع لهم حيث لا يظهر لهم ترجيح أحد الدليلين
وقوله ( استبرأ )بالهمز بوزن استفعل من البراءة أي برأ دينه من النقص ،وعرضه من الطعن ،فيه لأن من لم يُعْرف باجتناب الشبهات لم يَسْلم لقول من يطعن فيه،
 وفيه دليل على أن من لم يتوق الشبهة في كسبه ومعاشه فقد عرض نفسه للطعن فيه ،وفي هذا إشارة إلى المحافظة على أمور الدين ومراعاة المروءة .
(الحمى ) : موضع يحميه صاحبه عن الناس ويمنعهم دخوله فمن دخله خاصمه .

تفسير الشبهات :

قالوا : هي أمور مترددة بين التحليل والتحريم،.
و أنها ليست بواضحة الحلّ ولا الحرمة فلهذا لا يعرفها كثير من الناس ولا يعلمون حكمها.

وأما العلماء فيعرفون حكمها بنص أو قياس أو استصحاب أو غير ذلك.
 فإذا تردد الشيء بين الحل والحرمة ولم يكن فيه نص ولا إجماع اجتهد فيه المجتهد فألحقه بأحدهما بالدليل الشرعي.

أسباب خفاء المشتبهات :

قال ابن حجر :
أحدها : تعارض الأدلة .
 ثانيها : اختلاف العلماء ،وهي منتزعة من الأولى
 ثالثها أن المراد بها مسمى المكروه لأنه يجتذبه جانبا الفعل والترك
رابعها أن المراد بها المباح، ولا يمكن قائل هذا أن يحمله على متساوي الطرفين من كل وجه بل يمكن حمله على ما يكون من قسم خلاف الأولى بأن يكون متساوي الطرفين باعتبار ذاته راجح الفعل أو الترك باعتبار أمر خارج
ونقل ابن المنير في مناقب شيخه القباري عنه أنه كان يقول:
" المكروه عقبة بين العبد والحرام فمن استكثر من المكروه تطرق إلى الحرام ،
والمباح عقبة بينه وبين المكروه فمن استكثر منه تطرق إلى المكروه".
 وهو منزع حسن ويؤيده رواية بن حبان من طريق ذكر مسلم إسنادها ولم يسق لفظها فيها من الزيادة :
(اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال ،من فعل ذلك استبرأ لعرضه ودينه ومن أرتع فيه كان كالمرتع إلى جنب الحمى يوشك أن يقع فيه )
 والمعنى أن الحلال حيث يخشى أن يؤل فعله مطلقا إلى مكروه أو محرم ينبغي اجتنابه،
 كالإكثار مثلا من الطيبات فإنه يحوج إلى كثرة الاكتساب الموقع في أخذ ما لا يستحق أو يفضي إلى بطر النفس وأقل ما فيه الاشتغال عن مواقف العبودية ،وهذا معلوم بالعادة مشاهد بالعيان والذي يظهر لي رجحان الوجه الأول على ما سأذكره ولا يبعد أن يكون كل من الأوجه مرادا ويختلف ذلك باختلاف الناس،
 فالعالم الفطن لا يخفى عليه تمييز الحكم فلا يقع له ذلك إلا في الاستكثار من المباح أو المكروه كما تقرر قبل ودونه تقع له الشبهة في جميع ما ذكر بحسب اختلاف الأحوال ولا يخفى أن المستكثر من المكروه تصير فيه جرأة على ارتكاب المنهي في الجملة ،
أو يحمله اعتياده ارتكاب المنهي غير المحرم على ارتكاب المنهي المحرم إذا كان من جنسه،
 أو يكون ذلك لشبهة فيه وهو أن من تعاطى ما نهي عنه يصير مظلم القلب لفقدان نور الورع فيقع فيالحرام ولو لم يختر الوقوع فيه.
 ووقع عند المصنف في البيوع من رواية أبي فروة عن الشعبي في هذا الحديث ( فمن ترك ما شبه عليه من الإثم كان لما استبان له أترك ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان) .

اختلاف حكم المشتبهات :  

قيل: مواقعتها حرام؛ لأنها توقع في الحرام.
وقيل: مكروهة والورع تركها.
 وقيل: لا يقال فيها واحد منهما.
والصواب الثاني؛ لأن الشرع قد أخرجها من قسم الحرام، فلا توصف به، وهي مما يرتاب فيه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)  وهذا هو الورع، وقد قال فيها بعض الناس: إنها حلال ويتورع عنها .

قلت: وليست بعبارة صحيحة؛ لأن أقل مراتب الحلال أن يستوي فعل وتركه، فيكون مباحا. وما كان كذلك لم يتصور فيه الورع من حيث هو متساوي الطرفين. فإنه إن ترجح أحد طرفيه على الآخر خرج عن كونه مباحا. وحينئذ يكون تركه راجحا على فعله، وهو المكروه. أو فعله راجحا على تركه، وهو المندوب

مثل الراعي الذي يرعى حول الحمى :

قوله  (كراع يرعى) وردت على سبيل التمثيل ،
وفي اختصاص التمثيل بذلك نكتة وهي:
 أن ملوك العرب كانوا يحمون لمراعي مواشيهم أماكن مختصة يتوعدون من يرعى فيها بغير إذنهم بالعقوبة الشديدة ،

فمثلّ لهم النبي صلى الله عليه وسلم بما هو مشهور عندهم فالخائف من العقوبة المراقب لرضا الملك يبعد عن ذلك الحمى خشية أن تقع مواشيه في شيء منه فبعده أسلم له ولو اشتد حذره،
لكن غير الخائف المراقب يقرب منه ويرعى من جوانبه فلا يأمن أن تنفرد الماشية الشاذة فتقع في الحمى بغير اختياره ،
أويقل الكلأ والعشب بمحل المكان الذي هو فيه ويقع الخصب في الحمى فلا يملك نفسه أن يقع فيه ،
 فالله سبحانه وتعالى هو الملك حقا ،وحماه هي محارمه وحدوده .



تعليقات