حديث من تقرب مني شبرا |
تفسير : وإن أتاني يمشي أتيته هرولة
( يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة )
أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما :عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:معنى مفردات ، شبرا ذراعا باعا في اللغة :
شبرا: مقدار شبر وهو قدر بعد ما بين رأس الخنصر ورأس الإبهام والكف مبسوطة مفرقة الأصابع
ذراعا : مقدار الذراع وهو ما بين طرف المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى
باعا : مقدار الباع وهو مسافة ما بين الكفين إذا بسطتهما.
وقال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث :
البوع والباع سواء، وهو قدر مد اليدين وما بينهما من البدن.
الهرولة : ضرب من العدو وهو بين المشي والعدو. وهرول : أي أسرع في المشي .
تفسير حديث من تقرب مني شبرا عند الترمذي راوي الحديث :
قال الترمذي : حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن نمير، وأبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحديث)
قال : ويروى عن الأعمش في تفسير هذا الحديث:
"من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، يعني بالمغفرة والرحمة"،
وهكذا فسر بعض أهل العلم هذا الحديث، قالوا: إنما معناه يقول: إذا تقرب إلي العبد بطاعتي وبما أمرت تسارع إليه مغفرتي ورحمتي.
تقربت منه ذراعا ضرب مثلا :
شرح الحديث عند القرطبي في كتابه " المفهم " في شرح صحيح مسلم :و(قوله: وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا. . . إلى قوله: أتيته هرولة)
هذه كلها أمثال ضربت لمن عمل عملا من أعمال الطاعات، وقصد به التقرب إلى الله تعالى، يدل على أن الله تعالى لا يضيع عمل عامل وإن قل، بل يقبله ويجعل له ثوابه مضاعفا.
ولا يفهم من هذا الحديث: الخطا: نقل الأقدام؛ إلا من ساوى الحُمُر في الأفهام.
(قلت. من غلاة اثبات الصفات من عدّ هذا الحديث من أحاديث صفات الله، فأثبت صفة الهرولة وقال " باب الهرولة لله عز وجل" ، نعوذ بالله من الزلل )
الجمع بين شبرا وذراعا وبين حديث الحسنة بعشر أمثالها :
فإن قيل: مقتضى ظاهر هذا الخطاب: أن من عمل حسنة جوزي بمثليها، فإن الذراع: شبران، والباع: ذراعان. وقد تقرر في الكتاب والسنة: أن أقل ما يجازى على الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة لا تحصى، فكيف وجه الجمع؟أجاب القرطبي قائلا : هذا الحديث ما سيق لبيان مقدار الأجور، وعدد تضاعيفها ،
وإنما سيق لتحقيق أن الله تعالى لا يضيع عمل عامل - قليلا كان أو كثيرا - وأن الله تعالى يسرع إلى قبوله، وإلى مضاعفة الثواب عليه، إسراع من جيء إليه بشيء فبادر لأخذه، وتبشبش له بشبشة من سر به، ووقع منه الموقع،
ألا ترى قوله: من أتاني يمشي أتيته هرولة، وفي لفظ آخر: أسرعت إليه. ولا تتقدر الهرولة والإسراع بضعفي المشي،
وأما عدد الأضعاف فيؤخذ من موضع آخر، لا من هذا الحديث. والله أعلم.
حديث من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا هو تمثيل القليل من الطاعة :
في فتح الباري للحافظ ابن حجر :ونقل عن الطبري أنه إنما مَثّل القليل من الطاعة بالشبر منه ، والضّعف من الكرامة والثواب بالذراع ،فجعل ذلك دليلا على مبلغ كرامته لمن أدمن على طاعته ، أن ثواب عمله له على عمله الضعف وأن الكرامة مجاوزة حده إلى ما يثيبه الله تعالى.
قلت . خلاصة معنى من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا
يضرب الله الأمثال لعباده في احسانه وفضله وتودده ،
واقباله عليهم خاصة الذين رجعوا اليه عابدين طائعين.
فيقول الله من عمل عملا يبتغي قربي ، فإني أقابله بقرب ألطافي وحبي .
(وإن أتاني يمشي أتيته هرولة) ومن أقبل اليّ طائعا مستغفرا طامعا أسرعت في قبوله ومغفرته واجابته .