تاريخ وحكم المولد النبوي

 

المولد النبوي    


الاحتفال بالمولد النبوي 

أنوار وزينة وأفراح وليالي زمان يقرأ فيها القرآن ، ويسمع الشعر والغناء ، وتنحر البقر والابل وتقام الولائم وتوزع العطايا ، وتأكل الحلوى ، احتفالا بميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم في ربيع أول من كل عام ، 
بين شيخ مؤيد للاحتفال بالمولد الشريف ، وآخر معارض يحكم بأنه بدعة : .... 

الملك مظفر الدين والمولد النبوي


(549 هـ / 1153 ميلادية - 630 هــ -1232 م)

قال ابن كثير في البداية والنهاية فيمن مات في هذه السنة : "مظفر الدين صاحب إربل" :
(قلت: أربيل أو إربل عاصمة كردستان بالعراق ، شارك مظفر الدين في معركة حطين مع صلاح الدين الأيوبي)

قال : فهو الملك المظفر أبو سعيد كوكبري ابن زين الدين علي بن تبكتكين أحد الأجواد والسادات الكبراء والملوك الأمجاد، له آثار حسنة وقد عمر الجامع المظفري بسفح قاسيون، وكان قد هم بسياقة الماء إليه من ماء بذيرة فمنعه المعظم من ذلك، واعتل بأنه قد يمر على مقابر المسلمين بالسفوح، وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالا هائلا، وكان مع ذلك شهما شجاعا فاتكا بطلا عاقلا عالما عادلا رحمه الله وأكرم مثواه.
وقد صنف الشيخ أبو الخطاب ابن دحية له مجلدا في المولد النبوي سماه: " التنوير في مولد البشير النذير "، فأجازه على ذلك بألف دينار،
وقد طالت مدته في الملك في زمان الدولة الصلاحية، وقد كان محاصر عكا وإلى هذه السنة محمود السيرة والسريرة،
قال السبط: حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد كان يمد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي، وعشرة آلاف دجاجة، ومائة ألف زبدية، وثلاثين ألف صحن حلوى، قال: وكان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية فيخلع عليهم ويطلق لهم ويعمل للصوفية سماعا من الظهر إلى الفجر، ويرقص بنفسه معهم، وكانت له دار ضيافة للوافدين من أي جهة على أي صفة، وكانت صدقاته في جميع القرب والطاعات على الحرمين وغيرهما، ويتفك من الفرنج في كل سنة خلقا من الأسارى، حتى قيل إن جملة من استفكه من أيديهم ستون ألف أسير، قالت زوجته ربيعة خاتون بنت أيوب - وكان قد زوجه إياها أخوها صلاح الدين، لما كان معه على عكا - قالت: كان قميصه لا يساوي خمسة دراهم فعاتبته بذلك فقال: لبسي ثوبا بخمسة وأتصدق بالباقي خير من أن ألبس ثوبا مثمنا وأدع الفقير المسكين، وكان يصرف على المولد في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار، وعلى دار الضيافة في كل سنة مائة ألف دينار.
وعلى الحرمين والمياه بدرب الحجاز ثلاثين ألف دينار سوى صدقات السر، رحمه الله تعالى، وكانت وفاته بقلعة إربل،
وأوصى أن يحمل إلى مكة فلم يتفق فدفن بمشهد علي.
(البداية والنهاية 13/159)

وقال الذهبي في سير النبلاء :
وأما احتفاله بالمولد ، فيقصر التعبير عنه؛ كان الخلق يقصدونه من العراق والجزيرة، وتنصب قباب خشب له ولأمرائه وتزين، وفيها جوق المغاني واللعب، وينزل كل يوم العصر، فيقف على كل قبة ويتفرج، ويعمل ذلك أياما، ويخرج من البقر والإبل والغنم شيئا كثيرا، فتنحر، وتطبخ الألوان، ويعمل عدة خلع للصوفية، ويتكلم الوعاظ في الميدان، فينفق أموالا جزيلة.
وقد جمع له ابن دحية (كتاب المولد) ، فأعطاه ألف دينار.
وكان متواضعا، خيرا، سنيا، يحب الفقهاء والمحدثين، وربما أعطى الشعراء، وما نقل أنه انهزم في حرب، وقد ذكر هذا وأمثاله ابن خلكان (22/336)

الفاطميون أول من احتفل بالمولد النبوي :

قال الشيخ عطية صقر : "لا يعرف المؤرخون أن أحدا قبل الفاطميين احتفل بذكرى المولد النبوى -كما قال الأستاذ حسن السندوبى - فكانوا يحتفلون بالذكرى فى مصر احتفالا عظيما ويكثرون من عمل الحلوى وتوزيعها كما قال القلقشندى فى كتابه " صبح الأعشى" .
وكان الفاطميون يحتفلون بعدة موالد لآل البيت ، كما احتفلوا بعيد الميلاد المسيحى كما قال المقريزى " .

حكايات المولد النبوي عند المقريزي : 

في كتابه (السلوك لمعرفة دول الملوك ) توفي المقريزي سنة 845 هـ
(سنة 787 هـ/ 1383 م)
وَفِيه عمل السُّلْطَان المولد النَّبَوِيّ بِالْقصرِ على الْعَادة وأقيم السماع بإبراهيم بن الْجمال وأخيه خليل يشبب. وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَمَانِي عشره: حضر ابْنا الْجمال الْمَذْكُورين عِنْد بعض أهل مصر مولدا.
 فَلَمَّا أقيم السماع سقط الْبَيْت بِمن فِيهِ فَمَاتَ ابْنا الْجمال فِي سِتَّة أنفس وَسلم من عداهم. 
وَمن الِاتِّفَاق الْغَرِيب أَنه كَانَ يُغني بِهَذِهِ الأبيات :
" تَغَنَّيْت فِي حبكم ..وَلَا فادني مِنْهُ فن
وخضت بحار الْهوى.. وجزت بوادي محن.
 وَقَالُوا بِهِ جنَّة ..ومثلي بكم من يجن.
 فُؤَادِي بكم هايم ..وعقلي بكم مفتن
 أُغني ولي فِيكُم.. فؤاد كثير الشجن
 سيطرب من فِي الْحمى.. ويرقص حَتَّى السكن " .
 فَلَمَّا وصل فِي غنائه إِلَى قَوْله "ويرقص حَتَّى السكن " سقط الْبَيْت على من فِيهِ.

(سنة 799 هـ)
وَفِي يَوْم الْخَمِيس أول ربيع الأول: اسْتَقر حسن بن قراجا العلاي فِي ولَايَة الجيزة وعزل يَلْبغا الزيني.
 وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثَانِيه: عمل السُّلْطَان المولد النَّبَوِيّ على عَادَته فِي كل سنة وَحضر شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ وَالشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن زقاعة وقضاة الْقُضَاة وعدة من شُيُوخ الْعلم فِي الحوش من القلعة تَحت خيمة ضربت هُنَاكَ. 
وَجلسَ السُّلْطَان وَعَن يَمِينه البُلْقِينِيّ وَابْن زقاعة وَعَن يسَاره الشَّيْخ أَبُو عبد الله المغربي وَتَحْته الْقُضَاة. وَحضر الْأُمَرَاء فجلسوا على بعد مِنْهُ. 
فَلَمَّا فرغ الْقُرَّاء من قراءة الْقُرْآن قَامَ الوعاظ وَاحِدًا بعد وَاحِد فَدفع لكل مِنْهُم صرة فِيهَا أَرْبَعمِائَة دِرْهَم فضَّة وَمن كل أَمِير شقة حَرِير وعدتهم عشرُون واعظاً.
 ثمَّ مدت الأسمطة الجليلة ، فَلَمَّا أكلت مدت أسمطة الْحَلْوَى فانتهبت كلهَا. 
فَلَمَّا فرغ الوعاظ مضى الْقُضَاة وأقيم السماع من بعد ثلث اللَّيْل إِلَى قريب الْفجْر.

حكايات المولد النبوي عند الجبرتي : 

كتابه (تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار ) : ت 1237 هـ / 1822 م 

(1214 هـ)
وفي يوم الثلاثاء حادي عشره عمل المولد النبوي بالازبكية ودعا الشيخ خليل البكري سارى عسكر الكبير مع جماعة من أعيانهم وتعشوا عنده وضربوا ببركة الأزبكية مدافع وعملوا حراقة وسواريخ ونادوا في ذلك اليوم بالزينة وفتح الأسواق والدكاكين ليلا واسراج قناديل واصطناع مهرجان وورد الخبر بأن الفرنسيس أحضروا عثمان خجا ونقلوه من الأسكندرية إلى رشيد فدخلوا به البلد وهو مكشوف الرأس حافي القدمين وطافوا به البلد يزفونه بطبولهم حتى وصلوا به إلى داره فقطعوا رأسه تحتها ثم رفعوا رأسه وعلقوها من شباك داره ليراها من يمر بالسوق.

(سنة 1216 هـ)
وفيه نودى بتزيين الأسواق من العد تعظيما ليوم المولد النبوي الشريف فلما أصبح يوم الأربعاء كررت المناداة والأمر بالكنس والرش فحصل الأعتناء وبدل الناس جهدهم وزينوا حوانيتهم بالشقق الحرير والزردخان والتفاصيل الهندية مع تخوفهم من العسكر وركب المشار إليه عصر ذلك اليوم وشق المدينة وشاهد الشوارع وعند المساء أوقدوا المصابيح والشموع ومنارات المساجد وحصل الجمع بتكية الكلشني على العادة وتردد الناس ليلا للفرجة وعملوا مغاني ومزامير في عدة جهات وقراءة قرآن وضجت الصغار في الأسواق وعم ذلك سائر اخطاط المدينة العامرة ومصر وبولاق وكان من المعتاد القديم أن لا يعتني بذلك إلا بجهة الأزبكية حيث سكن الشيخ البكري لأن عمل المولد من وظائفه وبولاق فقط.

(سنة 1233 هـ)
وفي يوم الثلاثاء حادي عشره كان المولد النبوي فنودى في صبحه بزينة المدينة ببولاق ومصر القديمة ووقود القناديل والسهر ثلاثة أيام بلياليها فلما أصبح يوم الأربعاء والزينة بحالها إلى بعد اذان العصر نودى برفعها ففرح أهل الأسواق بإزالتها ورفعها لما يحصل لهم من التكاليف والسهر في البرد والهواء خصوصا وقد حصل في آخر ليلة رياح شديدة باردة.
وفي ثاني عشره صبيحة المولد النبوي طلب الباشا المشايخ فلما جلسوا مجلسهم وفيهم الشيخ البكري أحضروا خلعة والبسوها له على منصب نقابة الاشراف.

حكم الاحتفال بالمولد النبوي :

أبو شامة والاحتفال بالمولد الشريف :

أبو شامة (شيخ محي الدين النووي )، حيث قال: "ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يُفعل كل عام في اليوم الموافق لمولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات، والمعروف، وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك مشعرٌ بمحبته صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك وشكراً لله تعالى على ما منّ به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين" (كتاب : الباعث على إنكار البدع والحوادث)

ابن الحاج المالكي والمولد النبوي :

 قال في المولد النبوي : "فكان يجب أن نزداد يوم الاثنين الثاني عشر في ربيع الأول من العبادات والخير شكرا للمولى على ما أولانا من هذه النعم العظيمة وأعظمها ميلاد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم (المدخل عن تعظيم شهر ربيع الأول) .
وقال أيضا : "ومن تعظيمه صلى الله عليه وآله وسلم الفرح بليلة ولادته وقراءة المولد" (الدرر السنية) .

ابن تيمية والاحتفال بالمولد النبوي :

سئل: عمن يعمل كل سنة ختمة في ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم هل ذلك مستحب؟ أم لا؟
فأجاب: الحمد لله، جمع الناس للطعام في العيدين وأيام التشريق سنة وهو من شعائر الإسلام التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين وإعانة الفقراء بالإطعام في شهر رمضان هو من سنن الإسلام. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " {من فطر صائما فله مثل أجره} وإعطاء فقراء القراء ما يستعينون به على القرآن عمل صالح في كل وقت ومن أعانهم على ذلك كان شريكهم في الأجر.
وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال: إنها ليلة المولد أو بعض ليالي رجب أو ثامن عشر ذي الحجة أو أول جمعة من رجب أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها،
 والله سبحانه وتعالى أعلم.
(مجموع الفتاوى 25/298)

عطية صقر والمولد النبوي :

من شيوخ الأزهر قال (الفتاوى ) :
ورأيى أنه لا بأس بذلك فى هذا العصر الذى كاد الشباب ينسى فيه دينه وأمجاده ، فى غمرة الاحتفالات الأخرى التى كادت تطغى على المناسبات الدينية ، على أن يكون ذلك بالتفقه فى السيرة ، وعمل آثار تخلد ذكرى المولد، كبناء مسجد أو معهد أو أى عمل خيرى يربط من يشاهده برسول اللّه وسيرته .
ومن هذا المنطلق يجوز الاحتفال بموالد الأولياء ، حبًّا لهم واقتداء بسيرهم ، مع البعد عن كل المحرمات من مثل الاختلاط المريب بين الرجال والنساء ، وانتهاز الفرص لمزاولة أعمال غير مشروعة من أكل أو شرب أو مسابقة أو لهو، ومن عدم احترام بيوت اللّه ومن بدع زيارة القبور والتوسل بها ، ومن كل ما لا يتفق مع الدين ويتنافى مع الآداب .
فإذا غلبت هذه المخالفات كان من الخير منع الاحتفالات درءًا للمفسدة كما تدل عليه أصول التشريع .
وإذا زادت الإِيجابيات والمنافع المشروعة فلا مانع من إقامة هذه الاحتفالات مع التوعية والمراقبة لمنع السلبيات أو الحد منها بقدر المستطاع ،
 ذلك أن كثيرا من أعمال الخير تشوبها مخالفات ولو إلى حد ما ، والكل مطالب بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بالوسائل المشروعة .

تعليقات