هل حد الزاني الرجم ؟

الرجم    




حد الزاني الجلد :

حد الزنا ثابت في القرآن ، كتاب الله : الجلد مائة جلدة

قال تعالى ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
سورة النور الاية 2
وقال تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) الحج ، فلماذا يصر العلماء على التشديد واتباع حكم اليهود في الزنا وهو الرجم بالحجارة حتى الموت ؟
هذا ماسنبينه ان شاء الله بالدليل والحجة والتفصيل :

ما هو الزنا ؟

قال القرطبي :كَانَ الزِّنَى فِي اللُّغَةِ مَعْرُوفًا قَبْلَ الشَّرْعِ، مثل اسم السرقة والقتل.
وهو " اسم لوطئ الرَّجُلِ امْرَأَةً فِي فَرْجِهَا مِنْ غَيْرِ نِكَاحٍ وَلَا شُبْهَةِ نِكَاحٍ، بِمُطَاوَعَتِهَا" .
وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ : "هُوَ إِدْخَالُ فَرْجٍ فِي فَرْجٍ مُشْتَهًى طَبْعًا، مُحَرَّمٌ شَرْعًا "

رجم الزاني في اليهودية :

- (قلت. أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : ( أَنَّ اليَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ". فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ،
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا، فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا،
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: ارْفَعْ يَدَكَ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ، فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ،
فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا،
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَجْنَأُ عَلَى المَرْأَةِ يَقِيهَا الحِجَارَةَ ).

(قلت.حكم الزنا في التوراة (آية الرجم ) -سفر التثنية –الاصحاح 22- الآيات:

21 يُخْرِجُونَ الْفَتَاةَ إِلَى بَابِ بَيْتِ أَبِيهَا، وَيَرْجُمُهَا رِجَالُ مَدِينَتِهَا بِالْحِجَارَةِ حَتَّى تَمُوتَ، لأَنَّهَا عَمِلَتْ قَبَاحَةً فِي إِسْرَائِيلَ بِزِنَاهَا فِي بَيْتِ أَبِيهَا. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ وَسَطِكَ.

22 «إِذَا وُجِدَ رَجُلٌ مُضْطَجِعًا مَعَ امْرَأَةٍ زَوْجَةِ بَعْل، يُقْتَلُ الاثْنَانِ: الرَّجُلُ الْمُضْطَجِعُ مَعَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ إِسْرَائِيلَ.

23 «إِذَا كَانَتْ فَتَاةٌ عَذْرَاءُ مَخْطُوبَةً لِرَجُل، فَوَجَدَهَا رَجُلٌ فِي الْمَدِينَةِ وَاضْطَجَعَ مَعَهَا، 24 فَأَخْرِجُوهُمَا كِلَيْهِمَا إِلَى بَابِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ وَارْجُمُوهُمَا بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَا. الْفَتَاةُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا لَمْ تَصْرُخْ فِي الْمَدِينَةِ، وَالرَّجُلُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَذَلَّ امْرَأَةَ صَاحِبِهِ. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ وَسَطِكَ.
 25 وَلكِنْ إِنْ وَجَدَ الرَّجُلُ الْفَتَاةَ الْمَخْطُوبَةَ فِي الْحَقْلِ وَأَمْسَكَهَا الرَّجُلُ وَاضْطَجَعَ مَعَهَا، يَمُوتُ الرَّجُلُ الَّذِي اضْطَجَعَ مَعَهَا وَحْدَهُ. 
26 وَأَمَّا الْفَتَاةُ فَلاَ تَفْعَلْ بِهَا شَيْئًا. لَيْسَ عَلَى الْفَتَاةِ خَطِيَّةٌ لِلْمَوْتِ، بَلْ كَمَا يَقُومُ رَجُلٌ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَقْتُلُهُ قَتْلاً. هكَذَا هذَا الأَمْرُ. 27 إِنَّهُ فِي الْحَقْلِ وَجَدَهَا، فَصَرَخَتِ الْفَتَاةُ الْمَخْطُوبَةُ فَلَمْ يَكُنْ مَنْ يُخَلِّصُهَا )

قلت. اذن فالأمر كان في بدء الهجرة والاقامة في المدينة ومخالطة اليهود قبل اجلاءهم عنها ، قال ابن حجر في شرح حديث ابن عمر: ( ونقل ابن العربي عن الطبري والثعلبي عن المفسرين قالوا " انطلق قوم من قريظة والنضير منهم كعب بن الأشرف وكعب بن أسد...) وذكر غيرهم .
ثم قال ابن حجر : (ويؤيد الجمع ما وقع عند الطبراني من حديث ابن عباس " أن رهطا من اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ومعهم امرأة فقالوا : يا محمد ما أنزل عليك في الزنا " فيتجه أنهم جلدوا الرجل ثم بدا لهم أن يسألوا عن الحكم فأحضروا المرأة وذكروا القصة والسؤال، ووقع في رواية عبيد الله العمري عن نافع عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بيهودي ويهودية زنيا " ونحوه في رواية عبد الله بن دينار عن ابن عمر الماضية قريبا ولفظه " أحدثا " وفي حديث عبد الله بن الحارث عند البزار " أن اليهود أتوا بيهوديين زنيا وقد أحصنا " ) . قلت. والظاهر أن اليهود أرادوا أن لا يطبقوا حدّ الرجم كما جاءت في شريعتهم وفي التوراة ، وقد علموا أن الحدّ في القرآن هو الجلد لذلك أتوا الى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما تبين له أن حكم التوراة عندهم هو الرجم أمر برجمهما امتثالا لأمر الله تعالى "وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ "47 المائدة ،
ومن قبلها قال تعالى "وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ " 43،

حدّ الرجم في التوراة عقابا لليهود :

وقلت.أن حدّ الرجم في التوراة يناسب اليهود الذين قال فيهم ربنا تعالى "فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا" ،
فهل يناسب هذا محمد صلى الله عليه وسلم وأمته والذي قال فيهم ربنا عز وجل "مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ " ،
وقال عنهم "وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا " ؟!!!.، فإذا آمن أهل الكتاب وعدهم الله قائلا "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ " .
وحين قال الله تعالى بعد فرضه حكم الجلد مائة جلدة على الزانيان (وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ )،هذا عن جلد الزناة فما عن قتلهما رجما بالحجارة ؟

حقيقة آية الرجم :

يقول ابن كثير في تفسيره :
بعد ان ذكر أخبارا وأحاديث في الصحيحين وعن مالك وأحمد والنسائي وغيرهم : "وهذه طرق كلها متعددة ودالة على أن آية الرجم كانت مكتوبة فنسخ تلاوتها، وبقي حكمها معمولا به، ولله الحمد ،
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم هذه المرأة، وهي زوجة الرجل الذي استأجر الأجير لما زَنَت مع الأجير. ورجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزًا والغامِدِيَّة.انتهى

خبر الرجم منسوخ بالقرآن :

قلت. والثابت في الخبر والحديث النبوي أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ،
لكنه قد يكون وحيا ثم نسخ ، أو متابعة لشريعة اليهود قبل نزول شيء في الزنا ، لا نستطيع الجزم ، خاصة أن ما روي في هذا الصدد لم يسلم من النقد .

الرد على من زعم ان الجلد للبكر فقط :

قلت: أغلب الفقهاء القدامى يخصصون عموم الزناة في آية الجلد بالحديث النبوي ، ويقولون ان حكم المحصن والمحصنة الزانيان الرجم ، 
لكن هذه الآية الكريمة ترد عليهم قال تعالى في الاماء (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) النساء 25 .
وهذا يؤيد أن الجلد هو حد البكر والمحصن على سواء وهو يقبل التنصيف أي خمسين جلدة ، لكن عقوبة الرجم لاتقبل التنصيف

كما أن الجلد وصف بالعذاب حين قال ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) النور ، فكان اشارة لعقوبة الفاحشة .

رأي الشيخ محمد الصادق عرجون في حد الزنا :

وهو من شيوخ الأزهر وكان عميدا لكلية أصول الدين "ت 1400هـ " في كتابه "محمد رسول الله منهج ورسالة" – صفحة 116 – قال :
"وقد بينا بيانا شافيا أن ألفاظ ما زعموه آية قرآنية نزلت في وجوب حد الرجم لمن زنى بعد إحصان في رواياتهم (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله) لم تكن قط من ألفاظ القرآن ولا ألفاظ الحديث الشريف، فلم يستعملا كلمة (الشيخة) في معنى الإحصان ولا كلمة (الشيخ) في هذا المعنى، وكذلك كلمة (البتة) لم ترد في القرآن الحكيم البتة، لا فيما ثبتت قرآنيته بالتواتر ثم نسخ، ولا فيما أحكم فلم ينسخ منه شيء.

هذا وجه إن لم يدلّ صراحة على بطلان الرواية فهو دال على استبعاد نزول آية قرآنية في زعم من رواها قرآنا بألفاظ طرحها القرآن والحديث فلم يستعملاها في المعنى المقصود للرواية، وهذه وجهة لفظية ترجح إلى خصائص القرآن في ألفاظه وملاءمتها في الفصاحة ولطف الأداء، وهي كافية في إلقاء الشك في قرآنية هذا الكلام ".

وفي صفحة 113 قال: " ومن هنا يظهر جليا أن المروي في الصحيح وغيره من كلام زعم أنه قرآن نزل وقرأه الناس ثم نسخ نصه وبقي حكمه ،
لا يحمل شيئا قط من خصائص القرآن ورونق اعجازه التي لم تكن ولن تكون لكلام غيره قط ، وهي منبع اعجازه الأسلوبي وروعة بيانه "انتهى

تفسير أبو زهرة لآية الزنا :

قوله تعالى (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ) يقول الشيخ أبو زهرة -المتوفى عام 1394هـ وكان عضوا في مجمع البحوث الاسلامية سنة 1382ه-1962 م قال في تفسيره "زهرة التفاسير ":
" وهنا ثلاث إشارات بيانية: أولاها: في تقديم الزانية على الزاني، قالوا: لأن قوة الشهوة الدافعة إلى الزنى عند المرأة أقوى، وربما لَا نوافق على ذلك كثيرا؛ لأن الرجل يطلب في أكثر الأحيان، والمرأة لَا تطلب الرجل إلا قليلا، وإن حدثتها نفسها فإن الحياء يكفها إلا إذا خلعته، وقد نقول: إنها إن طلبها الرجل ولم تكن مؤمنة سارعت إليه، ونقول في تعليل ذلك إن العقوبة قاسية، وقد قدمت المرأة لكيلا يمتنع أحد عن إقامة الحد بدعوى ضعفها، والشفقة عليها والرفق بها؛ لأنها من القوارير.

ثانيتها: أن كلمة الزاني والزانية وصف بالزنى، وذلك يكون في أكثر الأحوال من تعوّد هذه الجريمة، ولذلك لَا يكون إلا ممن أعلن هذه الجريمة الفاحشة ولذلك كان لابد من شروط لإقامة هذا الحد:
أن يشهد أربعة بها، ولا يكون ذلك إلا إذا كانت الجريمة معلنة مجاهرا بها، وذلك لَا يكون إلا ممن تعودوا هذه الجريمة، وقد يكون الزنى في أول أمره، ولكن يندر أن يحضره أربعة من الرجال العدول، ومع ذلك يطبق الحكم سدا للذريعة.

ثالثتها: أن التعبير عن الضرب بالجَلْد للإشارة إلى أنه يؤلم الجِلْد، وذلك بأن يكون الضرب قريبا من الجلد، فلا يستره إلا ثوب عادي، ولا يضرب على حشوة من قطن أو نحوه.

والفاء في قوله تعالى: (فَاجْلِدُوا) هي الفاء الواقعة في جواب الشرط، والتعبير بـ (زانية وزان) يفيد أن من يرتكب هذه الجريمة فاجلدوهم مائة جلدة.

وهذه هي العقوبة الأولى، وقد تبعتها عقوبة أخرى، وهي أن تكون هذه العقوبة في العلن لَا في السر، ولذا قال تعالى: (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ منَ الْمُؤْمِنِينَ)، أي ليحضر العقوبة التي هي (عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ منَ الْمُؤْمِنِينَ)، وما حد الطائفة، قيل: اثنان. وقيل: أربعة، ونقول إنها الطائفة التي يكون بها الإعلام، بأن تكون العقوبة في مكان تكون فيه علنية لَا سرية، وسمى الله هذه العقوبة عذابا؛ لأنها عذاب الدنيا، ووراءها عذاب الآخرة، إن لم يتوبا توبة نصوحا؛ ولأنها قاسية غليظة، والرحمة بالجاني تشجيع على الجناية، والغلظة في عقابه رحمة بالجماعة الإنسانية.

ولغلظة العقوبة قال تعالى: (وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) الرأفة انفعال نفسي يدفع إلى الشفقة والألم والتقزز منها والاستنكار النفسي لها، فلا يصح أن تكون الرأفة هي المسيطرة، وعبر عن ذلك بقوله: (وَلا تَأخُذْكم بِهِمَا رَأْفَةٌ)، أي لا يصح أن تستولي عليكم حتى يقال: إنها أخذتكم، فالرأفة بالجاني استهانة بالحكم وتشجيع عليه كما ذكرنا.

وألفاظ الآية الكريمة عامة، وأجمعوا على أنها تطبق على البِكْر، أي غير المتزوج، أي غير المحصن الذي أحصن بالزواج ودخل في هذا الزواج،
وإنه من المقررات الشرعية أنه لَا يخصص اللفظ إلا بمخصص في قوته، والحنفية يعدون العام قطعي الدلالة، وهو الذي عرضناه، فلا يخصصه إلا قطعي مثله قرآنا أو سنة مشهورة تبلغ مبلغ القرآن في قطعيته، والآية - بلا ريب - قطعية السند؛ لأن القرآن كله متواتر، ومن أنكر ذلك فقد كفر.

ولذا كان لابد أن يكون ما يخصصه من نصوص قطعي السند قطعي الدلالة، وقد ادعى الحنفية أن حديث رجم الزاني، وإن كان حديث آحاد فهو مشهور، والشهرة ادعاء له.

ومن أجل أن نبين مقام هذه الآيات من الآيات الواردة في عقوبة الزنى، نذكر أن قبلها ثلاث آيات في ترتيب المصحف، وننبه أننا لَا نرى في القرآن منسوخا قط؛ لأنه سجل الشريعة الذي سجّلت الأحكام الدائمة الباقية في تكليفها إلى يوم الدين.

الآيتان الأوليان:

(وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16).

دلت هاتان الآيتان على ثلاثة أمور باقية: أولها: أن الشهادة على الزنى تكون: بأربعة، ولذا قرر قبل هذا المنع الحاجز الصائن الاستشهاد بأربعة، والإمساك في البيوت لحماية الضعفاء من العبث حتى الموت أو الزواج، وهو السبيل الذي جعله الله تعالى لصيانتهن، وليس الحد سبيلا،
ثانيها: العقوبة للزاني والزانية، ولكنه سبحانه وتعالى ذكر العقوبة مجملة، بينتها آية سورة النور التي نتكلم في معانيها، فالإيذاء في سورة النساء مجمل بينته سورة النور،

ثالثها: أن التوبة إذا كانت وجب الإعراض عن العقوبة، ولذا قال عز من قائل: (فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا) وتكون العقوبة شرعا محكما إذا لم يتوبا، وتكون العقوبة في سورة النساء شرطها عدم التوبة في وقتها، وبذلك قال الحنابلة والظاهرية ورواية عن الشافعي رضي الله عنه.

ومن أخطاء بعض المفسرين الواضحة تفسيرهم " اللاتي يأتين الفاحشة " بأنها السحاق، فإن البقاء في البيوت تمكين لها، ولا الفاحشة في الآية الثانية باللواط، فإن ذلك ينفر منه الذوق السليم، والفاحشة تكاد تكون محصورة في الزنى،

وقد قيل: إن ثمة آية تقول (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة) ونسخت تلاوة، ولم تنسخ حكما، وهذه رواية بطريق الآحاد، وإن ادعيت شهرة الخبر .

وقد يقول قائل: إن الرجم أقسى عقوبة في الأرض فكيف يثبت ما دونها بالقرآن القطعي بدلالته وسنده، ولا تثبت تلك العقوبة الغليظة إلا بحديث آحاد، وإن ادعيت شهرته، والاعتراض وارد، ولا سبيل لدفع إيراده.

ولقد سأل بعض التابعين الصحابة أكان رجم النبي صلى الله عليه وسلم لماعز والغامدية قبل نزول آية النور أم بعدها؛ فقال: لَا أدري لعله قبلها، ونحن لَا نتهجم بالنسخ، ولو كان نسخ السنة، فلسنا ندَّعي نسخها بالآية الكريمة، ولم يبين أنها نسخته ولا نسمح بنسخ السنة بمجرد الاحتمال، ولا بمجرد التعارض، ولكن يبقى بين أيدينا أن العقوبات كلها مذكورة في القرآن إلا هذه مع أنها أقسى عقوبة، وإذا كان ثمة احتمال النسخ، فهو احتمال ناشئ من دليل وليس احتمالا مجردا أقسى من أشد عقوبات إلا الآية التي فيها محاربة الله ورسوله، وهو القتل والصلب، فإن الرجم: الرمي بالحجارة حتى يموت فهو عذاب حتى الموت، والصلب أهون لأنه بعد الموت حيث لَا يكون إحساس، ولا يضر الشاة سلخها بعد موتها، كما قالت ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها- ولعن الله من آذاها في نفسها وفي أبيها وآذي الكعبة معها- هذه عقوبة الزنى، ونعتقد أن حكم الآية عام، والظاهر من الألفاظ أنها تعمّ المحصن وغير المحصن، وقالوا: ثبت بالسنة تغريب عام، بعد الجلد على ملأ من الناس لكي يذهب عنه عار الجلد. وروي عن مالك أن المرأة لَا تعذب حتى لَا تكون عرضة للسقوط مرة أخرى، وفائدة التعذيب بالنسبة للرجل لكي يذهب عنه خزي الجريمة، لأن الخزي يجعله يهون في ذات نفسه، فيهون عليه ارتكاب الجريمة، إذ الجريمة في ذاتها هوان.

وقد يقول قائل في هذه المناسبة: إن الدعوة إلى أن يشهد العقوبة طائفة من المؤمنين يناقض الستر الذي دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم في مثل قوله صلى الله عليه وسلم :
( كل أمتي معافى إلا المجاهرين )، والجواب عن ذلك أن إعلان العقوبة خير، لأنه ردع عام، أما إعلان الجريمة من غير عقوبة فدعوة إلى الجريمة، وفرق بين دعوة الردع ودعوة الفجور.

لم نذكر الآية الرابعة، وهي إحدى الثلاث غير المذكورة في سورة النور، وهي قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25).

إن ظاهر الآية من غير تأويل، ولا تحميل الألفاظ غير ما يحتمل أن الظاهر من قوله تعالى: (فَإِذَا أُحْصِنَّ)، أي فإذا تزوجن فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب، وإن الرجم لَا يُنَصَّفْ، وإذن يكون ما على المحصنات المتزوجات جلدا قابلا للتنصيف، وإن هذا يدل بدلالة الإشارة أو الاقتضاء على أنه لَا رجم، ولذا قلنا: إن احتمال نسخ الرجم بآية من سورة النور احتمال ناشئ عن دليل، وما كان النسخ نسخ قرآن،
إنما هو نسخ سنة، إذ الرجم لم يثبت إلا بالسّنة. هذه آية سورة النور، وما يرتبط بها، وما يتعلق بأحكام الزنى ) انتهى .

اقرأ أيضا لارجم في القرآن .

خلاصة حد الزاني والزانية  :


قلت :
لنا عموم قوله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا) وهو يقتضي وجوب الجلد على كل الزناة،
وإيجاب الرجم على بعض الزناة بخبر الواحد يقتضي تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد، وهو غير جائز.
و لأن القرآن قاطع في متنه وطرقه ، وخبر الواحد غير قاطع في متنه وطرقه ، والمقطوع راجح على المظنون .
واذا ساغ لأحد ادعاء نسخ حكم، فالأولى أن ندعي نسخ آية الكتاب لخبر الرجال .
أن حدّ الجلد للزاني والزانية هو الحكم الدائم والباقي في شريعة الاسلام ،سواء للمتزوج أو البكر غير المتزوج .
ويؤيده قوله تعالى (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ)


تعليقات