هل يجوز القاء السلام على غير المسلمين

السلام عليكم   

 


حقيقة النهي عن بدء أهل الكتاب بالسلام :


التحية :

هي شكل من أشكال التقدير والاحترام عند اللقاء والافتراق،
قد تكون بكلمة أو المصافحة أو تقبيل اليد أو رفع القبعة أو الانحناء .

تحية الاسلام :

كان العرب قديما يقولون :
حييت صباحاً وحييت مساءاً، وعِمّ صباحاً، أو أنعِم مساء .
وتحية الملك: عش ألف عام .
وغير العرب : صباح الخير / مساء الخير .
واما تحية الاسلام : السلام .

معنى السلام عليك :

قلت: لك مني أمان ألا يصيبك مني أذى .
أو أتمنى لك السلامة .
قال ابن حجر : وقد اختلف في معنى السلام ، فنقل عياض أن معناه اسم الله أي كلاءة الله عليك وحفظه كما يقال الله معك ومصاحبك ، وقيل السلامة،
وقال ابن دقيق العيد : السلام يطلق بإزاء معان منها: السلامة، ومنها التحية ، ومنها أنه اسم من أسماء الله .

مذهب غير لائق :

شاع بين المتدينيين المسلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السلام على غير المسلمين ، رغم معرفة ائمة العلم بوجود اختلاف في الجواز والمنع،
وصار مذهبا للمتشددين من أهل العلم واتباعهم، لا يقبل التغيير أو المعارضة ،
وشأن كل متشدد فهو يترك الأصول والقواطع ثم يتعلق بآحاد الأخبار ، متاكسلا عن التحقيق فيما يعتقد وما بلغه من العلم،
بل يتمادى حين يبلغه التصحيح والتحقيق فيغمض عينه عنه ،ويفتح العين الأخرى على ما مالديه من خبر ودليل حيث يتوافق مع هواه المستعلي الذي يضمر الكراهية لكل مخالف له في الجنس والقبيلة والجماعة و المذهب والعقيدة .
متشبثا بآراء الرجال من مجتهدي العلماء فهو في أقصاه مجرد رأي فهم خاص وتفسير واجتهاد شخصي لواحد من المسلمين.
بل وتتعجب من حيث أنه يجهل وجود الخلاف بين الفقهاء والعلماء في مسألة جواز السلام على غير المسلمين ،
و تراه يزعم أن مذهبه هو رأي الاسلام !!!!
وأقول : إن النهي عن القاء السلام على غير المسلمين هو مذهب لا يليق بالمسلمين الذين دينهم هو أرقى وأنقى الأديان في جميع المكونات ، مكون العقائد والمعاملات والتعايش ونشر الخير والسلام ،
وكيف يرضى المسلم أن يكون غيره أكثر منه بِرّاً وسماحة وخُلقا ؟
واقبالا على القاء التحية .

السلام على المؤمنين :

ذكر الله في كتابه العزيز ، السلام على المؤمنين مرتين ، في حين ذكر السلام على غير المؤمنين عدة مرات .
قال تعالى (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ) الأنعام 54
وقال (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً) النور 61

السلام على غير المؤمنين :

1.قال (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ) القصص 55
والجاهلين هم الكافرين ، الظالمين ، ويتوكد معناهم في تلك الآية بما سبقها وتلاها من آيات تتحدث .

2.وقوله (وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) الزخرف 88- (89)

هوس الناسخ والمنسوخ :
تكرارا لما ذكرناه وقلناه في تفسيرنا الوضاح وقاله علماء أصول الفقه والتفسير ،
أنه  لا يقبل دعوى النسخ في الشرع الا ببينة من كتاب أو من حديث صحيح مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم أو اجماع .
وعن الايات المذكورة في السلام على غير المسلمين ، قال الزجاج و الكلبي وأبو العالية عنها: نسختها آية الأمر بالقتال.
قلت: اذن فأتونا بالبينات والحجج على نسخ الايات وابطال حكمها ان كنتم صادقين !!
3.وقوله (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ ) الذاريات 24-25

4.وقوله ابراهيم لأبيه الكافر الذي يهدده بالقتل (قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا )
واذا قالوا لك أن الله نهى عن الاستغفار للمشركين قلنا نعم ، لكنه لم ينكر على ابراهيم تحيته بالسلام على أبيه .
ثم الخاتمة بالآية القاطعة لكل موهوم ،
5.قال تعالى (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ) الفرقان (63)
وسبحان الله فالآية في سورة الفرقان الذي يفرق بين الحق والباطل

رأي ابن القيم الحنبلي :

في كتابه "زاد المعاد" :
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في السلام على أهل الكتاب:
صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا تبدءوهم بالسلام، وإذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيق الطريق )
لكن قد قيل: إن هذا كان في قضية خاصة لما ساروا إلى بني قريظة قال: ( لا تبدءوهم بالسلام ) فهل هذا حكم عام لأهل الذمة مطلقا، أو يختص بمن كانت حاله بمثل حال أولئك؟ هذا موضع نظر،
ولكن قد روى مسلم في " صحيحه " من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه ) والظاهر أن هذا حكم عام.
وقد اختلف السلف والخلف في ذلك،
فقال أكثرهم: لا يبدءون بالسلام،

وذهب آخرون إلى جواز ابتدائهم كما يرد عليهم، روي ذلك عن ابن عباس، وأبي أمامة، وابن محيريز،

وهو وجه في مذهب الشافعي رحمه الله لكن صاحب هذا الوجه قال: يقال له: السلام عليك فقط بدون ذكر الرحمة، وبلفظ الإفراد،

وقالت طائفة: يجوز الابتداء لمصلحة راجحة من حاجة تكون له إليه، أو خوف من أذاه، أو لقرابة بينهما، أو لسبب يقتضي ذلك، يروى ذلك عن إبراهيم النخعي، وعلقمة.

وقال الأوزاعي: إن سلمت فقد سلم الصالحون، وإن تركت فقد ترك الصالحون.

واختلفوا في وجوب الرد عليهم، فالجمهور على وجوبه، وهو الصواب، وقالت طائفة: لا يجب الرد عليهم، كما لا يجب على أهل البدع وأولى، والصواب الأول، والفرق أنا مأمورون بهجر أهل البدع تعزيرا لهم وتحذيرا منهم، بخلاف أهل الذمة.

رأي سفيان بن عيينة :

سفيان هو أحد أئمة علماء الحديث من طبقة الامام مالك .
قال القرطبي في التفسير :
قيل لابن عيينة: هل يجوز السلام على الكافر؟
قال: نعم قال الله تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾
وقال إبراهيم لأبيه: ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكَ ﴾ سورة مريم: 7]
وقال القرطبي : الأظهر من الآية ما قاله سفيان بن عيينة .

حديث أسامة بن زيد في السلام على مجلس فيه مسلمين ومشركين :

وقال القرطبي : وفي الباب حديثان صحيحان: 
(1) روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه) خرجه البخاري ومسلم.
(2) وفي الصحيحين عن أسامة ابن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب حمارا عليه إكاف تحته قطيفة فدكية، وأردف وراءه أسامة بن زيد، وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحرث بن الخزرج، وذلك قبل وقعة بدر، حتى مر في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، وفيهم عبد الله بن أبي بن سلول، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة، خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه، ثم قال: لا تغبروا علينا،
فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث.
قال القرطبي : فالأول يفيد ترك السلام عليهم ابتداء لأن ذلك إكرام، والكافر ليس أهله. 
والحديث الثاني يجوز ذلك .

هل الاسلام دين حرب أم سلام :

لماذا اذن يغضب المسلمون عندما يقال لهم أن دينكم الاسلام هو دين الكراهية والعنف والعنصرية ؟ .
ماذا يكون حال انسان اذا رفض جاره أو زميله أو عابر سبيل ان يلقي عليه السلام ؟
ألا يتوجس منه ويحذره ويخافه ويكرهه وينفر منه ؟
كثير من المسيحيين في العالم اذا ذكر الاسلام في وسائل الاعلام تراهم يفزعون خوفا من سيرة الاسلام وما كان ذلك سوى بسبب تلك الاجتهادات الغير حسنة والتي صارت علامة لدين الاسلام .
وكيف يصدقنا الناس حين ندعوهم الى دين الاسلام ذلك الدين الذي يرفض السلام على المخالفين  ؟
وكيف يصدق اذا قيل لهم أن الاسلام نزل من الله الرحمن الرحيم ؟

أبو أمامة الباهلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم :

روى البيهقي في كتاب شعب الايمان :
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيُّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ لَقِيَهُ،
قَالَ: فَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا سَبَقَهُ بِالسَّلَامِ إِلَّا يَهُودِيًّا مَرَّ بِهِ اخْتَبَأَ خَلْفَ أُسْطُوَانَةٍ فَخَرَجَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ،

فَقَالَ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ: وَيْحَكَ يَا يَهُودِيُّ، مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعَتَ؟

قَالَ: رَأَيْتُكَ رَجُلًا تُكْثِرُ السَّلَامَ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ فَضْلٌ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ آخُذَ بِهِ،

فَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ: وَيْحَكَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ السَّلَامَ تَحِيَّةً لِأُمَّتِنَا، وَأَمَانًا لِأَهْلِ ذِمَّتِنَا"

اشكالية خبر أبي هريرة عن الرسول :

عن أبي هريرة : لا تَبْدَأُوا الْيَهُودَ وَلا النَّصَارَى بِالسَّلامِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ.
رواه مسلم والترمذي وابو داود

خبر أبي بصرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم :
قال : " إنى راكب غدا إلى يهود فمن انطلق منكم معى فلا تبدءوهم بالسلام فإن سلموا عليكم فقولوا وعليكم "

رواه أحمد، وابن ماجه، وابن سعد، والبغوى، والباوردى، والطبرانى عن أبى عبد الرحمن الجهنى.
وأحمد، والنسائى، وابن قانع، والضياء عن أبى بصرة /
وروايته " إنا غادون على يهود" .

اذن فحديث أبي هريرة معلل ومفسر بما ذكره النبي من ذهابه الى طائفة من يهود قد ظهر منهم خبث وفحش ومكر ،
وبحديث أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر بلفظ (إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السام عليك فقل وعليك )
ومعنى " السام " : الموت .

وبذلك يتضح لماذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم في حادثة عين أنه بسبب ان طائفة من اليهود كانوا يلوون ألسنتهم في تحية النبي والمسلمين فكأنهم بدلا من التحية بدوام الحياة أو بالخير كان يدعون على المسلمين  بالموت.

نقد حديث أبي هريرة :

ذكره الحافظ ابن عدي في كتابه الكامل في الضعفاء وقال:
هذا الحديث من الأحاديث التي أُنكرت على سهيل بن أبي صالح لتفرده بها،
فإنه لم يرو هذا الحديث أحد غير سهيل عن أبيه أبي صالح، ولا يوجد هذا الحديث عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد .
وقال الحافظ ابن حجر في سهيل : صدوق تغير حفظه بأخرة.

قال ابن القيم في كتابه "أحكام أهل الذمة ": وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تبدؤوهم بالسلام) - وهذا لـمَّا ذهب إليهم ليحاربهم وهم يهود قريظة - فأمر ألا يُبدؤوا بالسلام، لأنه أمان، وهو قد ذهب لحربهم. سمعت شيخنا يقول ذلك.انتهى

الخلاصة والخروج من الخلاف :

ويتبين لك مما تقدم من تعريفات للسلام وكيف اختلف العلماء بسبب حديث سهيل عن أبي هريرة ، وتحقيق الحديث وازالة لبسه ،
أنه يجوز القاء السلام على غير المسلمين ، بما نقل عن حديث أسامة وبما ورد عن بعض الصحابة والسلف ،
وبما ورد في كتاب الله تعالى من نصوص تحض على السلام  ،
وتكون نيتك  افشاء السلام بين الناس بمختلف دياناتهم، وبنية عهد بالأمان أو بنية التحية،
لكن السلام على المسلم فيكون بنية تمني السلام من الله في الدنيا والآخرة .


تعليقات