زيد وأسامة |
حِبُّ رسول الله ( زَيْدُ بن حَارِثَة وابنه أسامة) :
الاميران الكبيران زيد وأسامة :
زيد بن حارثة :
شراحيل الكلبي - أَوْ شُرَحْبِيْلَ - بنِ كَعْبِ بنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ يَزِيْدَ بنِ امْرِئِ القَيْسِ بنِ عَامِرِ بنِ النُّعْمَانِ.الأَمِيْرُ، الشَّهِيْدُ، النَّبَوِيُّ، المُسَمَّى فِي سُوْرَةِ الأَحْزَابِ، أَبُو أُسَامَةَ الكَلْبِيُّ، ثُمَّ المُحَمَّدِيُّ، سَيِّدُ المَوَالِي، وَأَسْبَقُهُم إِلَى الإِسْلاَمِ، وَحِبُّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو حِبِّهِ، وَمَا أَحَبَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ طَيِّباً.
وَلَمْ يُسَمِّ اللهُ -تَعَالَى- فِي كِتَابِهِ صَحَابِيّاً بِاسْمِهِ إِلاَّ زَيْدَ بنَ حَارِثَةَ
هو أول من آمن به من الموالي؛ فإنه من كبار السابقين الأولين وكان من الرماة المذكورين.
وهو الذي سمى الله في كتابه في قوله: {تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا} يعني من زينب بنت جحش: {زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] ، وكان المسلمون يدعونه زيد ابن النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلت: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40] ، وقال -تعالى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} [الأحزاب: 4] ، وقال: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] .
كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين زيد بن حارثة عشر سنين؛ رسول الله أكبر منه،
، وعاش خمسا وخمسين سنة.
وكان قصيرًا شديد الأدمة أفطس.وجاءت من وجه آخر أنه كان أبيض وكان ابنه أسود. ولذلك أعجب النبي صلى الله عليه وسلم بقول مجزز المدلجي القائف: "إن هذه الأقدام بعضها من بعض".
منزلة زيد عند النبي صلى الله عليه وسلم
روى التّرمذيّ وغيره من حديث عائشة، قالت:(قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في بيتي، فأتاه فقرع الباب، فقام إليه حتى اعتنقه وقبّله).
ورَوَى أَحْمَدُ فِي (المُسْنَدِ) وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ في " الإصابة":
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِزَيْدِ بنِ حَارِثَةَ:
(يَا زَيْدُ! أَنْتَ مَوْلاَيَ، وَمِنِّي، وَإِلَيَّ، وَأَحَبُّ القَوْمِ إِلَيَّ) .
حكاية سَبْيُ زيْد
قال أبو إسحاق السبيعي: إن زيد بن حارثة أغارت عليه خيل من تهامة، فوقع إلى خديجة فاشترته، ثم وهبته للنبي صلى الله عليه وسلم. ويروى أنها اشترته بسبع مائه درهم.وفي الاصابة :قال ابن سعد: أمه سعدى بنت ثعلبة بن عامر، من بني معن من طيِّئ
قالوا: زارت سعدى أم زيد بن حارثة قومها وزيد معها، فأغارت خيل لبني القين بن جسر في الجاهليّة على أبيات بني معن، فاحتملوا زيدا وهو غلام يفعة، فأتوا به في سوق عكاظ فعرضوه للبيع، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بأربعمائة درهم،
فلما تزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وهبته له،
وكان أبوه حارثة بن شراحيل حين فقده قال:
بكيت على زيد ولم أدر ما فعل ... أحيّ فيرجى أم أتى دونه الأجل
قال: فحجّ ناس من كلب، فرأوا زيدا فعرفهم وعرفوه، فقال: أبلغوا أهلي هذه الأبيات:
أحنّ إلى قومي وإن كنت نائيا ... بأنّي قطين البيت عند المشاعر
فانطلقوا فأعلموا أباه، ووصفوا له موضعا،
فخرج حارثة وكعب أخوه بفدائه، فقدما مكة، فسألا عن النّبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، فقيل: هو في المسجد، فدخلا عليه، فقالا: يا بن عبد المطّلب، يا بن سيد قومه، أنتم أهل حرم اللَّه تفكّون العاني وتطعمون الأسير، جئناك في ولدنا عبدك، فامنن علينا، وأحسن في فدائه، فإنا سنرفع لك.
قال وما ذاك؟ قالوا: زيد بن حارثة. فقال: أو غير ذلك؟ أدعوه فخيّروه، فإن اختاركم فهو لكم بغير فداء. وإن اختارني فو اللَّه ما أنا بالذي أختار على من اختارني فداء قالوا: زدتنا على النّصف، فدعاه فقال: هل تعرف هؤلاء؟
قال: نعم، هذا أبي وهذا عمّي،
قال: فأنا من قد علمت، وقد رأيت صحبتي لك فاخترني أو اخترهما.
فقال زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحدا، أنت مني بمكان الأب والعمّ.
فقالا: ويحك يا زيد، أتختار العبوديّة على الحرية، وعلى أبيك وعمّك وأهل بيتك؟
قال: نعم، إني قد رأيت من هذا الرجل شيئا ما أنا بالذي أختار عليه أحدا.
فلما رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذلك أخرجه إلى الحجر، فقال: «اشهدوا أنّ زيدا ابني، يرثني وأرثه» ،
فلما رأى ذلك أبوه وعمّه طابت أنفسهما، وانصرفا، فدعي زيد بن محمد حتى جاء اللَّه بالإسلام .
اسلام زيد بن حارثة :
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ : حدَّثني أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ:قَالَ: كَانَ صَنَمٌ من نحاس يقال له: أساف، ونائلة يَتَمَسَّحُ بِهِ الْمُشْرِكُونَ إِذَا طَافُوا.
فَطَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَفْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا مَرَرْتُ مَسَحْتُ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تَمَسَّهُ ".
قَالَ زَيْدٌ: فَطُفْنَا فَقُلْتُ فِي نَفْسِي لَأَمَسَّنَّهُ حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَكُونُ، فَمَسَحْتُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَمْ تُنْهَ "
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: زَادَ غَيْرُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو بِإِسْنَادِهِ :قَالَ زَيْدٌ: فَوَالَّذِي أَكْرَمَهُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ مَا اسْتَلَمَ صَنَمًا قَطُّ حَتَّى أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالَّذِي أَكْرَمَهُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ.
قال ابن كثير: قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، ثُمَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ مَنْ أوَّل مَنْ أَسْلَمَ مِنَ النِّسَاءِ؟
قَالَ خَدِيجَةُ،
قُلْتُ فَمِنَ الرِّجَالِ؟. قَالَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ.
وَكَذَا قَالَ عُرْوَةُ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ أوَّل مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَابِصَةَ الْعَبْسِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ:
جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَازِلِنَا بِمِنًى وَنَحْنُ نَازِلُونَ بِإِزَاءِ الْجَمْرَةِ الْأُولَى التِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُرْدِفًا خَلْفَهُ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فَدَعَانَا فَوَاللَّهِ مَا اسْتَجَبْنَا لَهُ وَلَا خِيرَ لَنَا، قَالَ وَقَدْ كُنَّا سَمِعْنَا بِهِ وَبِدُعَائِهِ فِي الْمَوَاسِمِ، فَوَقَفَ عَلَيْنَا يَدْعُونَا فَلَمْ نَسْتَجِبْ لَهُ، وَكَانَ مَعَنَا مَيْسَرَةُ بْنُ مَسْرُوقٍ الْعَبْسِيُّ.
فَقَالَ لَنَا: أَحْلِفُ بِاللَّهِ لَوْ قَدْ صَدَّقْنَا هَذَا الرَّجُلَ وَحَمَلْنَاهُ حَتَّى نَحُلَّ بِهِ وَسْطَ بِلَادِنَا لَكَانَ الرَّأْيَ.
فَأَحْلِفُ بِاللَّهِ لَيَظْهَرَنَّ أَمْرُهُ حَتَّى يَبْلُغَ كُلَّ مَبْلَغٍ.
فَقَالَ الْقَوْمُ دَعْنَا مِنْكَ لَا تُعَرِّضْنَا لِمَا لَا قِبَلَ لَنَا بِهِ.
هجرة زيد :
هاجر حمزة بن عبد المطّلب ومعه زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحليفه أبو مرثد كناز بن حصين الغنوي فنزلوا في بني عمر وبن عوف بقبا على كلثوم بن الهدم.وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين حمزة بن عبد المطلب.
↚
وعن ابن عمر يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمّر أسامة على قوم، فطعن الناس في إمارته. فقال: "إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه، وأيم الله إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن ابنه هذا لأحب الناس إلي بعده".
وعن عائشة أنها كانت تقول: "لو أن زيدا كان حيّاً لاستخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وعنها رضي الله عليها: "ما بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم زيد بن حارثة في سرية إلا أمره عليهم، ولو بقي لاستخلفه".
أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة بإسناد قويّ عنها.
وفي "الكامل" ابن الاثير: قال الواقديّ: أول سرايا زيد إلى القردة ثم إلى الجموم ثم إلى العيص ثم إلى الطّرف ، ثم إلى حسمى ثم إلى أم قرفة، ثم تأميره على غزوة مؤتة، واستشهد فيها وهو ابن خمس وخمسين سنة.
قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَأَتَانَا الْخَبَرُ حِينَ سَوَّيْنَا التُّرَابَ عَلَى رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ زَوْجُهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدِ احْتَبَسَ عِنْدَهَا يمرِّضها بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ فِي بَدْرٍ.
قَالَ أُسَامَةُ: فَلَمَّا قَدِمَ أَبِي - زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ - جِئْتُهُ وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْمُصَلَّى وَقَدْ غَشِيَهُ النَّاسُ وَهُوَ يَقُولُ: قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ.وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ الْعَاصُ بْنُ هِشَامٍ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَنُبَيْهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ.
قَالَ قلت: يا أبة أَحَقٌّ هَذَا؟
قَالَ إِي وَاللَّهِ يَا بُنَيَّ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ: مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم خَلَّفَ عُثْمَانَ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ عَلَى رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيام بدرٍ ، فَجَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ عَلَى الْعَضْبَاءِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبِشَارَةِ، قَالَ أُسَامَةُ: فَسَمِعْتُ الْهَيْعَةَ فَخَرَجْتُ فَإِذَا زَيْدٌ قَدْ جَاءَ بِالْبِشَارَةِ، فَوَاللَّهِ مَا صَدَّقْتُ حَتَّى رَأَيْنَا الْأُسَارَى.
قال أبو عمر: اسمها بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصن بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النّعمان، وكان يقال لها أم الظّباء.
وَرِثَهَا مِنْ أَبِيْهِ- وقيل كان ورثها عن أمّه- ثُمَّ أَعْتَقَهَا عِنْدَمَا تَزَوَّجَ بِخَدِيْجَةَ.وَكَانَتْ مِنَ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ.
وَقَدْ تَزَوَّجَهَا عُبَيْدُ بنُ الحَارِثِ الخَزْرَجِيُّ، فَوَلَدَتْ لَهُ أَيْمَنَ، وَلأَيْمَنَ هِجْرَةٌ وَجِهَادٌ، اسْتُشْهِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ.
ثُمَّ تَزَوَّجَهَا زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ لَيَالِيَ بُعِثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَلَدَتْ لَهُ أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: أمّ أيمن أمّي بعد أمّي .
وأخرج البخاريّ في تاريخه ومسلم، وابن السّكن، من طريق الزّهري، قال: كان من شأن أم أيمن أنها كانت وصيفة لعبد اللَّه بن عبد المطّلب والد النّبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم، وكانت من الحبشة، فلما ولدت آمنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم بعد ما توفي أبوه كانت أمّ أيمن تحضنه حتى كبر، ثم أنكحها زيد بن حارثة- لفظ ابن السّكن.
قَالَ قَتَادَةُ وَالْوَاقِدِيُّ وَبَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تزوَّجها عَلَيْهِ السَّلَامُ سَنَةَ خَمْسٍ، زَادَ بَعْضُهُمْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: (وإذا تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لكيلا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حرج في زواج أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا منها وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مفعولا) [الاحزاب: 37] .
فَالْمُرَادُ بِالَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ هَاهُنَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعتق وزوجه بابنة عمه زينب بنت جحش.
قال مقاتل بن حبان: وَكَانَ صَدَاقُهُ لَهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، وَسِتِّينَ دِرْهَمًا وخماراً وملحفة ودرعاً وخمسين مداً وَعَشَرَةَ أَمْدَادٍ مِنْ تَمْرٍ، فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ قَرِيبًا مِنْ سَنَةٍ أَوْ فَوْقَهَا، ثُمَّ وَقَعَ بَيْنَهُمَا فجاء زوجها يَشْكُو إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم يَقُولُ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ.
قَالَ اللَّهُ (وَتُخْفِي نفسك ما الله مبديه) قال علي بن الحسين زيد العابدين والسدي: كان رسول الله قد علم أَنَّهَا سَتَكُونُ مِنْ أَزْوَاجِهِ، فَهُوَ الَّذِي كَانَ فِي نَفْسِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَقَدْ تَكَلَّمَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلف هَاهُنَا بِآثَارٍ غَرِيبَةٍ وَبَعْضُهَا فِيهِ نظر تركناها.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا) ، ذلك أَنَّ زَيْدًا طَلَّقَهَا فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَعَثَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُهَا إِلَى نَفْسِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَكَانَ الَّذِي زَوَّجَهَا مِنْهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ كَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَقُولُ: زوجكن أهليكن وَزَوَّجَنِيَ اللَّهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ.
لما تبنّى النّبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم زيدا زوّجه زينب بنت جحش، وهي بنت عمته أميمة بنت عبد المطّلب، وزوّجه النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم قبل ذلك مولاته أم أيمن، فولدت له أسامة،
ثم لمّا طلّق زينب ، زوّجه أم كلثوم بنت عقبة، وأمها أروى بنت كريز، وأمها البيضاء بنت عبد المطّلب، فولدت له زيد بن زيد، ورقية،
ثم طلق أم كلثوم، وتزوّج درة بنت أبي لهب بن عبد المطلب،
ثم طلقها وتزوّج هند بنت العوام أخت الزبير.
امارة زيد وغزواته:
وعن سلمة بن الأكوع، قال: غزوت مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم سبع غزوات، ومع زيد بن حارثة سبع غزوات، يؤمّره علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم. أخرجه البخاريّ.وعن ابن عمر يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمّر أسامة على قوم، فطعن الناس في إمارته. فقال: "إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه، وأيم الله إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن ابنه هذا لأحب الناس إلي بعده".
وعن عائشة أنها كانت تقول: "لو أن زيدا كان حيّاً لاستخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وعنها رضي الله عليها: "ما بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم زيد بن حارثة في سرية إلا أمره عليهم، ولو بقي لاستخلفه".
أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة بإسناد قويّ عنها.
وفي "الكامل" ابن الاثير: قال الواقديّ: أول سرايا زيد إلى القردة ثم إلى الجموم ثم إلى العيص ثم إلى الطّرف ، ثم إلى حسمى ثم إلى أم قرفة، ثم تأميره على غزوة مؤتة، واستشهد فيها وهو ابن خمس وخمسين سنة.
وقعة بدر:
ابن كثير : وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقَدْ أقام عليه السلام بِعَرْصَةِ بَدْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَانَ رَحِيلُهُ مِنْهَا لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ، فَرَكِبَ نَاقَتَهُ وَوَقَفَ عَلَى قَلِيبِ بَدْرٍ فَقَرَّعَ أُولَئِكَ الَّذِينَ سُحِبُوا إِلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، ثُمَّ سَارَ عَلَيْهِ السلام وَمَعَهُ الْأُسَارَى وَالْغَنَائِمُ الْكَثِيرَةُ وَقَدْ بَعَثَ عَلَيْهِ السلام بَيْنَ يَدَيْهِ بَشِيرَيْنِ إِلَى الْمَدِينَةِ بِالْفَتْحِ وَالنَّصْرِ وَالظَّفَرِ عَلَى مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ وَجَحَدَهُ وَبِهِ كَفَرَ، أَحَدُهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ إِلَى أَعَالِي الْمَدِينَةِ، وَالثَّانِي زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ إِلَى السَّافِلَةِ.قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَأَتَانَا الْخَبَرُ حِينَ سَوَّيْنَا التُّرَابَ عَلَى رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ زَوْجُهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدِ احْتَبَسَ عِنْدَهَا يمرِّضها بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ فِي بَدْرٍ.
قَالَ أُسَامَةُ: فَلَمَّا قَدِمَ أَبِي - زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ - جِئْتُهُ وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْمُصَلَّى وَقَدْ غَشِيَهُ النَّاسُ وَهُوَ يَقُولُ: قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ.وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ الْعَاصُ بْنُ هِشَامٍ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَنُبَيْهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ.
قَالَ قلت: يا أبة أَحَقٌّ هَذَا؟
قَالَ إِي وَاللَّهِ يَا بُنَيَّ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ: مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم خَلَّفَ عُثْمَانَ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ عَلَى رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيام بدرٍ ، فَجَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ عَلَى الْعَضْبَاءِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبِشَارَةِ، قَالَ أُسَامَةُ: فَسَمِعْتُ الْهَيْعَةَ فَخَرَجْتُ فَإِذَا زَيْدٌ قَدْ جَاءَ بِالْبِشَارَةِ، فَوَاللَّهِ مَا صَدَّقْتُ حَتَّى رَأَيْنَا الْأُسَارَى.
زواج زيد من أُمُّ أَيْمَنَ الحَبَشِيَّةُ
بَرَكَةُ مَوْلاَةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَاضِنَتُهُ ،قال أبو عمر: اسمها بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصن بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النّعمان، وكان يقال لها أم الظّباء.
وَرِثَهَا مِنْ أَبِيْهِ- وقيل كان ورثها عن أمّه- ثُمَّ أَعْتَقَهَا عِنْدَمَا تَزَوَّجَ بِخَدِيْجَةَ.وَكَانَتْ مِنَ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ.
وَقَدْ تَزَوَّجَهَا عُبَيْدُ بنُ الحَارِثِ الخَزْرَجِيُّ، فَوَلَدَتْ لَهُ أَيْمَنَ، وَلأَيْمَنَ هِجْرَةٌ وَجِهَادٌ، اسْتُشْهِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ.
ثُمَّ تَزَوَّجَهَا زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ لَيَالِيَ بُعِثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَلَدَتْ لَهُ أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: أمّ أيمن أمّي بعد أمّي .
وأخرج البخاريّ في تاريخه ومسلم، وابن السّكن، من طريق الزّهري، قال: كان من شأن أم أيمن أنها كانت وصيفة لعبد اللَّه بن عبد المطّلب والد النّبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم، وكانت من الحبشة، فلما ولدت آمنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم بعد ما توفي أبوه كانت أمّ أيمن تحضنه حتى كبر، ثم أنكحها زيد بن حارثة- لفظ ابن السّكن.
زواج زيد من زينب
وزينب بنت جحش ابن رِئَابِ ابْنِ خُزَيْمَةَ الْأَسَدِيَّةِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَهِيَ بِنْتُ أُمَيْمَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَكَانَتِ قَبْلَهُ عِنْدَ مَوْلَاهُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.قَالَ قَتَادَةُ وَالْوَاقِدِيُّ وَبَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تزوَّجها عَلَيْهِ السَّلَامُ سَنَةَ خَمْسٍ، زَادَ بَعْضُهُمْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: (وإذا تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لكيلا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حرج في زواج أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا منها وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مفعولا) [الاحزاب: 37] .
فَالْمُرَادُ بِالَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ هَاهُنَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعتق وزوجه بابنة عمه زينب بنت جحش.
قال مقاتل بن حبان: وَكَانَ صَدَاقُهُ لَهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، وَسِتِّينَ دِرْهَمًا وخماراً وملحفة ودرعاً وخمسين مداً وَعَشَرَةَ أَمْدَادٍ مِنْ تَمْرٍ، فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ قَرِيبًا مِنْ سَنَةٍ أَوْ فَوْقَهَا، ثُمَّ وَقَعَ بَيْنَهُمَا فجاء زوجها يَشْكُو إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم يَقُولُ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ.
قَالَ اللَّهُ (وَتُخْفِي نفسك ما الله مبديه) قال علي بن الحسين زيد العابدين والسدي: كان رسول الله قد علم أَنَّهَا سَتَكُونُ مِنْ أَزْوَاجِهِ، فَهُوَ الَّذِي كَانَ فِي نَفْسِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَقَدْ تَكَلَّمَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلف هَاهُنَا بِآثَارٍ غَرِيبَةٍ وَبَعْضُهَا فِيهِ نظر تركناها.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا) ، ذلك أَنَّ زَيْدًا طَلَّقَهَا فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَعَثَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُهَا إِلَى نَفْسِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَكَانَ الَّذِي زَوَّجَهَا مِنْهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ كَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَقُولُ: زوجكن أهليكن وَزَوَّجَنِيَ اللَّهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ.
زواجه من أخريات :
وقال ابن الكلبيّ، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عباس:لما تبنّى النّبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم زيدا زوّجه زينب بنت جحش، وهي بنت عمته أميمة بنت عبد المطّلب، وزوّجه النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم قبل ذلك مولاته أم أيمن، فولدت له أسامة،
ثم لمّا طلّق زينب ، زوّجه أم كلثوم بنت عقبة، وأمها أروى بنت كريز، وأمها البيضاء بنت عبد المطّلب، فولدت له زيد بن زيد، ورقية،
ثم طلق أم كلثوم، وتزوّج درة بنت أبي لهب بن عبد المطلب،
ثم طلقها وتزوّج هند بنت العوام أخت الزبير.
↚
وكان خمس هذه الغنيمة عشرين ألفا.
قال: نعم، فأمر به فضربت عنقه. ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسول غيره.
وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فاشتد عليه، وندب الناس فأسرعوا. وكان ذلك سبب خروجهم إلى غزوة مؤتة.
وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرة القضاء في ذي الحجة، فأقام بالمدينة حتى بعث إلى مؤتة في جمادى من سنة ثمان، وأمّر على الناس زيد بن حارثة. وقال إن أصيب فجعفر، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة، فإن أصبت فليرتض المسلمون رجلا. فتهيؤوا للخروج، وودع الناس أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم خرج القوم حتى نزلوا معان، فبلغهم أن هرقل قد نزل مآرب في مائة ألف من الروم، ومائة ألف من المستعربة، فأقاموا بمعان يومين، وقالوا: نبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبره.
فشجع الناس عبد الله بن رواحة، فقال: يا قوم، والله إن التي تكرهون للتي خرجتم لها تطلبون، الشهادة. وما نقاتل الناس بعدد ولا كثرة، وإنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فإن يظهرنا الله به فربما فعل، وإن تكن الأخرى فهي الشهادة، وليست بشر المنزلتين. فقال الناس: والله لقد صدق فانشمر الناس، وهم ثلاثة آلاف، حتى لقوا جموع الروم بقرية من قرى البلقاء يقال له: مشارف، ثم انحاز المسلمون إلى مؤتة، قرية فوق أحساء. وكانوا ثلاثة آلاف.
وقال الواقدي: حدثني ربيعة بن عثمان، عن المقبري، عن أبي هريرة، قال: شهدت مؤتة، فلما رآنا المشركون رأينا ما لا قبل لأحد به من العدة والسلاح والكراع والديباج والذهب. فبرق بصري، فقال لي ثابت بن أقرم: مالك يا أبا هريرة، كأنك ترى جموعا كثيرة؟ قلت: نعم. قال: لم تشهد معنا بدرا، إنا لم ننصر بالكثرة.
وقال المغيرة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن نافع، عن ابن عمر، قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة، فإن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة. قال ابن عمر: كنت معهم، ففتشناه -يعني ابن رواحة- فوجدنا فيما أقبل من جسده بضعا وسبعين، بين طعنة ورمية.
وقال حماد بن زيد، عن أيوب، عن حميد بن هلال، عن أنس، قال: نعى النبي صلى الله عليه وسلم جعفرا وزيد بن حارثة، وابن رواحة، نعاهم قبل أن يجيء خبرهم، وعيناه تذرفان.
أخرجه البخاري، وزاد فيه: فنعاهم، وقال: أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها ابن رواحة. ثم أخذ الراية بعدهم سيف من سيوف الله: خالد بن الوليد.
قال: فجعل يحدث الناس وعيناه تذرفان.
سرية زيد بن حارثة إلى قردة:
وكانت قريش من بعد بدر قد تخوّفوا من اعتراض المسلمين عيرهم في طريق الشام وصاروا يسلكون طريق العراق، وخرج منهم تجّار فيهم أبو سفيان بن حرب وصفوان بن أمية واستجاروا بفرات بن حيان من بكر بن وائل فخرج بهم في الشتاء وسلك بهم على طريق العراق، وانتهى خبر العير إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وما فيها من المال وآنية الفضة، فبعث زيد بن حارثة في سريّة فاعترضهم وظفر بالعير وأتى بفرات بن حيّان العجليّ أسيرا فتعوذ بالإسلام وأسلم.وكان خمس هذه الغنيمة عشرين ألفا.
غزوة مؤتة واستشهاد زيد :
قال محمد بن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني ربيعة بن عثمان، عن عمر بن الحكم، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن عمير الأزدي إلى ملك بصرى بكتابه، فلما نزل مؤتة عرض للحارث شرحبيل بن عمرو الغساني، فقال: أين تريد؟ قال: الشام. قال: لعلك من رسل محمد؟قال: نعم، فأمر به فضربت عنقه. ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسول غيره.
وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فاشتد عليه، وندب الناس فأسرعوا. وكان ذلك سبب خروجهم إلى غزوة مؤتة.
وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرة القضاء في ذي الحجة، فأقام بالمدينة حتى بعث إلى مؤتة في جمادى من سنة ثمان، وأمّر على الناس زيد بن حارثة. وقال إن أصيب فجعفر، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة، فإن أصبت فليرتض المسلمون رجلا. فتهيؤوا للخروج، وودع الناس أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم خرج القوم حتى نزلوا معان، فبلغهم أن هرقل قد نزل مآرب في مائة ألف من الروم، ومائة ألف من المستعربة، فأقاموا بمعان يومين، وقالوا: نبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبره.
فشجع الناس عبد الله بن رواحة، فقال: يا قوم، والله إن التي تكرهون للتي خرجتم لها تطلبون، الشهادة. وما نقاتل الناس بعدد ولا كثرة، وإنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فإن يظهرنا الله به فربما فعل، وإن تكن الأخرى فهي الشهادة، وليست بشر المنزلتين. فقال الناس: والله لقد صدق فانشمر الناس، وهم ثلاثة آلاف، حتى لقوا جموع الروم بقرية من قرى البلقاء يقال له: مشارف، ثم انحاز المسلمون إلى مؤتة، قرية فوق أحساء. وكانوا ثلاثة آلاف.
وقال الواقدي: حدثني ربيعة بن عثمان، عن المقبري، عن أبي هريرة، قال: شهدت مؤتة، فلما رآنا المشركون رأينا ما لا قبل لأحد به من العدة والسلاح والكراع والديباج والذهب. فبرق بصري، فقال لي ثابت بن أقرم: مالك يا أبا هريرة، كأنك ترى جموعا كثيرة؟ قلت: نعم. قال: لم تشهد معنا بدرا، إنا لم ننصر بالكثرة.
وقال المغيرة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن نافع، عن ابن عمر، قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة، فإن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة. قال ابن عمر: كنت معهم، ففتشناه -يعني ابن رواحة- فوجدنا فيما أقبل من جسده بضعا وسبعين، بين طعنة ورمية.
وقال حماد بن زيد، عن أيوب، عن حميد بن هلال، عن أنس، قال: نعى النبي صلى الله عليه وسلم جعفرا وزيد بن حارثة، وابن رواحة، نعاهم قبل أن يجيء خبرهم، وعيناه تذرفان.
أخرجه البخاري، وزاد فيه: فنعاهم، وقال: أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها ابن رواحة. ثم أخذ الراية بعدهم سيف من سيوف الله: خالد بن الوليد.
قال: فجعل يحدث الناس وعيناه تذرفان.
↚
زيد بن حارثة . |
أُسَامَةُ بنُ زَيْدِ بنِ حَارِثَةَ :
الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ. أَبُو زَيْدٍ.حِبُّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَوْلاَهُ، وَابْنُ مَوْلاَهُ.
اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى جَيْشٍ لِغَزْوِ الشَّامِ، وَفِي الجَيْشِ عُمَرُ وَالكِبَارُ؛ فَلَمْ يَسِرْ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَبَادَرَ الصِّدِّيْقُ بِبَعْثِهِمْ، فَأَغَارُوا عَلَى أُبْنَى، مِنْ نَاحِيَةِ البَلْقَاءِ.
وثَبَتَ عَنْ أُسَامَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْخُذُنِي وَالحَسَنَ، فَيَقُوْلُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا، فَأَحِبَّهُمَا)
أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
قال الذهبي: هُوَ كَانَ أَكْبَرَ مِنَ الحَسَنِ بِأَزْيَدَ مِنْ عَشْرِ سِنِيْنَ.
وَكَانَ شَدِيْدَ السَّوَادِ، خَفِيْفَ الرُّوْحِ، شَاطِراً، شُجَاعاً، رَبَّاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَحَبَّهُ كَثِيْراً.
وَهُوَ ابْنُ حَاضِنَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أُمِّ أَيْمَنَ، وَكَانَ أَبُوْهُ أَبْيَضَ، وَقَدْ فَرِحَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ بِقَوْلِ مُجَزِّزٍ المُدْلِجِيِّ: إِنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ فِي شَأْنِ المَخْزُوْمِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا:
مَنْ يَجْتَرِئُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ يُكَلِّمُهُ فِيْهَا إِلاَّ أُسَامَةُ؛ حِبُّ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وعن ابن عمر: فرض عمر لأسامة أكثر مما فرض لي، فسألته، فقال: إنه كان أحبّ إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم منك، وإن أباه كان أحبّ إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من أبيك. صحيح.
مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، وَغَيْرُهُ: عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ أُسَامَةُ، مَا حَاشَا فَاطِمَةَ وَلاَ غَيْرَهَا)
وقال ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَّرَ الإِفَاضَةَ مِنْ عَرَفَةَ مِنْ أَجْلِ أُسَامَةَ يَنْتَظِرُهُ، فَجَاءَ غُلاَمٌ أَسْوَدُ، أَفْطَسُ، فَقَالَ أَهْلُ اليَمَنِ: إِنَّمَا جَلَسْنَا لِهَذَا!
فَلِذَلِكَ ارْتَدُّوا -يَعْنِي: أَيَّامَ الرِّدَّةِ -.
قَالَ وَكِيْعٌ: سَلِمَ مِنَ الفِتْنَةِ مِنَ المَعْرُوْفِيْنَ: سَعْدٌ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ.
وعن عَائِشَةُ، قَالَتْ: أَرَادَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَمْسَحَ مُخَاطَ أُسَامَةَ، فَقُلْتُ: دَعْنِي حَتَّى أَكُوْنَ أَنَا الَّتِي أَفْعَلُ.
فَقَالَ: (يَا عَائِشَةُ، أَحِبِّيْهِ، فَإِنِّي أُحِبُّهُ ) .
قُلْتُ: كَانَ سِنُّهُ فِي سِنِّهَا.
أخرجه الترمذي (3818) في المناقب.
وعَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي جَهْمٍ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، وَقَدْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ... ، الحَدِيْثَ.
فَلَمَّا حَلَّتْ، قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هَلْ ذَكَرَكِ أَحَدٌ؟) .
قَالَتْ: نَعَمْ، مُعَاوِيَةُ، وَأَبُو الجَهْمِ.
فَقَالَ: (أَمَّا أَبُو الجَهْمِ فَشَدِيْدُ الخُلُقِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوْكٌ، لاَ مَالَ لَهُ، وَلَكِنْ أُنْكِحُكِ أُسَامَةَ؟) .
فَقُلْتُ: أُسَامَةُ! - تَهَاوُناً بِأَمْرِ أُسَامَةَ - ثُمَّ قُلْتُ: سَمْعاً وَطَاعَةً للهِ وَلِرَسُوْلِهِ، فَزَوَّجَنِيْهِ، فَكَرَّمَنِي اللهُ بِأَبِي زَيْدٍ، وَشَرَّفَنِي اللهُ، وَرَفَعَنِي بِه.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "
وقَالَ عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ:
وَاللهِ لأَنْ تَخْطَفَنِي الطَّيْرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَبْدَأَ بِشَيْءٍ قَبْلَ أَمْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَبَعَثَ أُسَامَةَ، وَاسْتَأْذَنَهُ فِي عُمَرَ أَنْ يَتْرُكَهُ عِنْدَهُ.
قَالَ: فَلَمَّا بَلَغُوا الشَّامَ، أَصَابَتْهُمْ ضَبَابَةٌ شَدِيْدَةٌ، فَسَتَرَتْهُمْ حَتَّى أَغَارُوا، وَأَصَابُوا حَاجَتَهُمْ.
فَقَدِمَ عَلَى هِرَقْلَ مَوْتُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإغَارَةُ أُسَامَةَ عَلَى أَرْضِهِ فِي آنٍ وَاحِدٍ.
فَقَالَتِ الرُّوْمُ: مَا بَالُ هَؤُلاَءِ يَمُوْتُ صَاحِبُهُمْ وَأَنْ أَغَارُوا عَلَى أَرْضِنَا
قال ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ عُبَيْدِ بنِ السَّبَّاقِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
لَمَّا ثَقُلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَبَطْتُ، وَهَبَطَ النَّاسُ المَدِيْنَةَ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَصْمَتَ فَلاَ يَتَكَلَّمُ، فَجَعَلَ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَيَّ، ثُمَّ يَرْفَعُهُمَا؛ فَأَعْرِفُ أَنَّهُ يَدْعُو لِي.
أخرجه أحمد 5 / 201، والطبراني (377)
عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، قَالَ:
أَدْرَكْتُ رَجُلاً أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا شَهَرْنَا عَلَيْهِ السَّيْفَ، قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ.
فَلَمْ نَنْزِعْ عَنْهُ، حَتَّى قَتَلْنَاهُ.
فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَنَاهُ خَبَرَهُ، فَقَالَ: (يَا أُسَامَةُ! مَنْ لَكَ بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ؟) .
فَقُلْنَا: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنَّمَا قَالَهَا تَعَوُّذاً مِنَ القَتْلِ.
قَالَ: (مَنْ لَكَ يَا أُسَامَةُ بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ؟) .
فَمَا زَالَ يُرَدِّدُهَا، حَتَّى لَوَدِدْتُ أَنَّ مَا مَضَى مِنْ إِسْلاَمِي لَمْ يَكُنْ، وَأَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ، وَلَمْ أَقْتُلْهُ.
فَقُلْتُ: إِنِّي أُعْطِي اللهَ عَهْداً أَلاَّ أَقْتُلَ رَجُلاً يَقُوْلُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، أَبَداً.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بَعْدِي يَا أُسَامَةُ؟) .
قَالَ: بَعْدَكَ
أَنَّ مَوْلَى أُسَامَةَ قَالَ:
كَانَ أُسَامَةُ يَرْكُبُ إِلَى مَالٍ لَهُ بِوَادِي القُرَى، فَيَصُوْمُ الاثْنَيْنَ وَالخَمِيْسَ فِي الطَّرِيْقِ.
فَقُلْتُ لَهُ: تَصُوْمُ الاثنِيْنَ وَالخَمِيْسَ فِي السَّفَرِ، وَقَدْ كَبِرْتَ، وَضَعُفْتَ، أَوْ رَقَقْتَ!
فَقَالَ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَصُوْمُ الاثنِيْنَ وَالخَمِيْسَ، وَقَالَ: (إِنَّ أَعْمَالَ النَّاسِ تُعْرَضُ يَوْمَ الاثنِيْنِ وَالخَمِيْسِ.
موت أسامة :
وَعنِ المَقْبُرِيِّ، قَالَ:شَهِدْتُ جِنَازَةَ أُسَامَةَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: عَجِّلُوا بِحِبِّ رَسُوْلِ اللهِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ .
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ فِي آخِرِ خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ.
***
(المصادر:سير اعلام النبلاء للذهبي/الاصابةابن حجر/تاريخ ابن خلدون/البداية ابن كثير/الكامل ابن الأثير)
(المصادر:سير اعلام النبلاء للذهبي/الاصابةابن حجر/تاريخ ابن خلدون/البداية ابن كثير/الكامل ابن الأثير)